محمد الحرز

الدول القوية بمؤسساتها وقوة نظامها لا يمكن أن تختبر أو تكتشف إلا في الأزمات والأوقات العصيبة كأخطار الحروب والكوارث الطبيعية والانقسامات الداخلية، والحمد لله دولتنا السعودية العظيمة اختبرت في الكثير من المواقف والأزمات المحيطة بها من كل حدب وصوب وتجاوزتها بفضل حكمة قادتها وقوة مؤسساتها وترابط إنسانها ومجتمعها.

إن العالم اليوم يواجه أزمات متتالية، كل أزمة أخطر من أختها، والأكثر صعوبة أن المواجهة لا تعني دولة دون أخرى، أو مجتمعا غربيا أو آخر شرقيا ضمن تحالفات سياسية كما جرت عليه العادة في النظام الدولي السابق كالتحرر من ربقة الاستعمار أو تخطي العقبات في سبيل بناء الدولة الوطنية سواء كانت بالطريقة الاشتراكية أو الرأسمالية، وما تبع هاتين الطريقتين من انقسام العالم إلى معسكرين أو فريقين اثنين، وكل فريق له تحالفاته السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الثقافية والاجتماعية. كل هذا انتهى الآن وأصبح من مخلفات مرحلة سابقة، فلم يعد يترك أثرا، يسمح لنفسه أن يتمدد على أسطح الأزمات التي يمر بها العالم الآن.

العالم اليوم يعيش أزمة آثار رأسماليته المعولمة في كل المجالات، بداية من الاقتصاد ومرورا بالإعلام وانتهاء عند المجتمع، لا أحد في العالم، أفرادا أو مجتمعات، بمنأى عن تلك الآثار، إنها تمس حياتهم اليومية كما تمس مستقبلهم ومستقبل الكوكب الذي يعيشون عليه. والكل ليس بعيدا عن عين المجهر كما يقال، وأصبح كل شيء قابلا للتداول والاستخدام والتوظيف والتسليع حتى القيم الإنسانية المتوارثة تحولت إلى علب مسلعة مطروحة للبيع والشراء. إنسان اليوم كوني، ليس قابلا للتداول فقط، وإنما ارتقت مشاكله الصغيرة التي لم تكن تثير الانتباه في السابق، أو لم تكن تخلف آثارا على من يجاوره فضلا عن البعيدين عنه، إلى مشاكل معولمة، فالتلوث البيئي على سبيل المثال لم يكن مشكلة يعاني منها الإنسان في السابق، وإن حدث فإنه يقتصر على بقعة صغيرة لا تؤثر على الآخرين ولا تلفت الانتباه باعتبارها أزمة أو مشكلة.

الآن بفضل كونية الإنسان وعولمته غدا العالم يرتبط بعضه ببعض برابط عضوي لا ينفك يظهر قوته وصلابة يوما بعد يوم، وأصبح لا مفر على الدول والحكومات أن تفكر بمستقبل الإنسان ومستقبل كوكبه أو أرضه بشكل جماعي بعيدا كل البعد عن التصانيف الثقافية المتوارثة التي اكتسبها الإنسان من تاريخ مجتمعاته الضيقة.

إن التحدي في هذا الإطار لا حد له، ولو أخذنا مسألتين كشاهدين على مثل هذا التحدي، تقفز أمامنا مشكلتان كبيرتان عانى منهما العالم ولا يزال، الأولى مشكلة الإرهاب والأخرى مشكلة التدهور البيئي وانتشار مرض الكورونا.

قد تبدو الآثار العديدة التي تتركها الحياة الرأسمالية المعولمة على العالم متشبعة ومتغلغلة في شتى المجالات، والمشاكل التي تثيرها قد تختلف من بلد إلى آخر، حسب الموقع الجغرافي أو الخصائص السكانية أو الطبغرافية للمجتمع. لكن المعاناة الناجمة عنها إنسانية بالدرجة الأولى، والمشاعر الناتجة عنها سواء تتمثل الحزن أو الفرح، تستوجب المشاركة والتفاعل والتعاطف ومحاولة إيجاد الحلول والتفكير في المساعدة، وهذا ما تقوم به المنظمات الإنسانية المنتشرة حول العالم.

الإرهاب وتداعياته أدخل الإنسان في تحدٍ أجبره أن يعيد التفكير في الكثير من منظومة القيم التي بنى عليها خطابه المعرفي والثقافي والسياسي، وأجبرته مشاكل الكوكب البيئية وخطرها على صحة الإنسان إعادة التفكير في الجسد بالرجوع حتى إلى الخطابات الدينية التي حاولت أن تتجاوزها في الماضي، والتفكير فيه (الجسد) بوصفه نعمة من نعم الله، والأرض وتعميرها بوصفها أمانة عند الإنسان.

@MohammedAlHerz3