عشت كشاهد.. وممارس.. لاستنزاف الماء بـ (السانية)، من قاع بئرنا في (هريسة). كانت أرض زرعنا، في أزمنة حياة الرمق الأخير. استمتعت بسريانه الهادئ في فلجه المعتاد، لا شيء أجمل من أن تراه، يمضي بتواضع وهدوء، نحو مصبه النهائي، حيث جذور الزرع الظامئ، ويتوزع وفق حسابات أهل الأرض، يحمل الحياة التي نجهل سرها.
استمتعت بصوت وصوله، من قعر البئر إلى رأسها، كأنه يقول: (شبيك لبيك.. عبدك بين أيديك). أي قوة وتواضع يحمله هذا الماء؟ أي فائدة ودرس يقدمه هذا الماء؟ تواضعه نعمة. بالمقابل.. يتعاظم جبروت، وجشع، وطمع الإنسان، يعمل لإهداره، وإفساده، ونضوبه.
جعلوا تعاظم استهلاك الفرد من الماء، مؤشرا على رغد العيش. أليس هذا مؤشرا على ثقافة تبذيره؟ أليس هذا كفرا بنعمة الماء؟ نزعنا منفعته الضرورية. اعتبرنا تواضعه غنيمة، فتجاهلنا نتائج غيابه السلبية. استأثرنا بمخزونه، وتجاهلنا امتداد حاجة أجيالنا.
أعيش حالة قلق، لكنه مشروع، فأستدعي عبارتي الشهيرة: [الماء أرخص موجود وأغلى مفقود]. عبارة صغتها في ساعة تدبر وتفكر وتأمل. ذلك كان مع بداية تسعينيات القرن الماضي، أطلقتها بمقال في مجلة اليمامة، فانتشرت بين الناس، رددوها كعادتهم، دون التفكر في أبعاد فلسفة رسالتها.
هذه العبارة أسست لدعوتي، الحفاظ على الماء واستدامته. أصبحت نبع ماء، أتردد عليه، لطلب المزيد من القيم والمفاهيم. هذه العبارة أوحت بهذا المقال، هذه العبارة جعلتني أتذكر البئر، والماء، والسانية في قريتي، وقد تحولت إلى بقايا إنسان. عايشت لحظات السانية طفلا وشابا، مارستها واجبا وضرورة، احتويت وظيفتها ومكوناتها رجولة ومرجلة، كانت وسيط بقاء، نقلت لشخصي ثمار الماضي، وحملتني إلى المستقبل دون علمي.
تلك العبارة.. جعلتني أفكر في أسباب اختراع السانية. هل هي اختراع فرد واحد؟ وقفت طويلا أمام هذا التساؤل، فاستنتجت بعد سنين، أنها اختراع جماعة بشرية، عاشت مدلول تلك المقولة، فأصبح الماء عندهم أغلى مفقود، فبدأوا بالبحث، حتى وجدوه تحت الأرض التي يمشون عليها. ويأتي السؤال: من هداهم لهذا؟ إنه الماء نفسه أيها السادة.
جوابي جاء بعد عمق تفكير. تناقص ماء نبعهم، فجعلهم كعرب يتبعون أثره. استمر التقفي، حتى استقر بهم الحفر بأمره، حدد لهم عمق أول بئر حفرها الإنسان العربي عبر التاريخ. بالتأكيد.. لا أعرف أين موقعها في ديار العرب، لكن نحن أحفاد من حفرها.
بذلوا الجهد والعرق، حتى وصلوا إلى الماء، في قعر بئرهم الأولى. رحب وسهل. فأدركوا أنه [الماء أرخص موجود وأغلى مفقود].
حقق نجاحهم بالعثور عليه في جوف الأرض، نقلة في حياتهم. ثم جاء تساؤلهم التاريخي: كيف نعيد نفع الماء لسابق عطائه في سقيا الزرع؟ غير كاف أن تكون منفعة هذا الماء للشرب فقط. فتداعوا في ساحة البقاء، ترافعوا، قرروا رفع الماء بكميات أكبر، من أجل توفير الغذاء، فكانت بداية اختراع السانية العربية، تطورت وتحسنت، فوصلت إلينا دون حاجة لأي إضافة.
جعل العرب السانية جهاز حياة، بمكونات وأجزاء، بعضها يسند بعض، جميعها تعمل لاستنزاف الماء من قعر البئر، السانية اختراع عربي رشيد، حافظ على بقاء حياتهم على أرضهم الجافة، السانية إنجاز تاريخي يحمل سرا هندسيا، فجعلها محور حضارة العرب في أزمنة حياة الرمق الأخير.
أدعي وبفخر، بأن شخصي أول من وقف على هذا السر، فأعطيته تفسيرا علميا، ليؤكد نبوغ العقل العربي في إدارته لمناطقه الجافة، سيكون سر هذا التصميم الهندسي الفريد، مطروحا بكتابي القادم، إنه رواية عن علاقتي بالماء منذ طفولتي.. دعاؤكم سيعزز الأمل لصالح الماء.
استمتعت بصوت وصوله، من قعر البئر إلى رأسها، كأنه يقول: (شبيك لبيك.. عبدك بين أيديك). أي قوة وتواضع يحمله هذا الماء؟ أي فائدة ودرس يقدمه هذا الماء؟ تواضعه نعمة. بالمقابل.. يتعاظم جبروت، وجشع، وطمع الإنسان، يعمل لإهداره، وإفساده، ونضوبه.
جعلوا تعاظم استهلاك الفرد من الماء، مؤشرا على رغد العيش. أليس هذا مؤشرا على ثقافة تبذيره؟ أليس هذا كفرا بنعمة الماء؟ نزعنا منفعته الضرورية. اعتبرنا تواضعه غنيمة، فتجاهلنا نتائج غيابه السلبية. استأثرنا بمخزونه، وتجاهلنا امتداد حاجة أجيالنا.
أعيش حالة قلق، لكنه مشروع، فأستدعي عبارتي الشهيرة: [الماء أرخص موجود وأغلى مفقود]. عبارة صغتها في ساعة تدبر وتفكر وتأمل. ذلك كان مع بداية تسعينيات القرن الماضي، أطلقتها بمقال في مجلة اليمامة، فانتشرت بين الناس، رددوها كعادتهم، دون التفكر في أبعاد فلسفة رسالتها.
هذه العبارة أسست لدعوتي، الحفاظ على الماء واستدامته. أصبحت نبع ماء، أتردد عليه، لطلب المزيد من القيم والمفاهيم. هذه العبارة أوحت بهذا المقال، هذه العبارة جعلتني أتذكر البئر، والماء، والسانية في قريتي، وقد تحولت إلى بقايا إنسان. عايشت لحظات السانية طفلا وشابا، مارستها واجبا وضرورة، احتويت وظيفتها ومكوناتها رجولة ومرجلة، كانت وسيط بقاء، نقلت لشخصي ثمار الماضي، وحملتني إلى المستقبل دون علمي.
تلك العبارة.. جعلتني أفكر في أسباب اختراع السانية. هل هي اختراع فرد واحد؟ وقفت طويلا أمام هذا التساؤل، فاستنتجت بعد سنين، أنها اختراع جماعة بشرية، عاشت مدلول تلك المقولة، فأصبح الماء عندهم أغلى مفقود، فبدأوا بالبحث، حتى وجدوه تحت الأرض التي يمشون عليها. ويأتي السؤال: من هداهم لهذا؟ إنه الماء نفسه أيها السادة.
جوابي جاء بعد عمق تفكير. تناقص ماء نبعهم، فجعلهم كعرب يتبعون أثره. استمر التقفي، حتى استقر بهم الحفر بأمره، حدد لهم عمق أول بئر حفرها الإنسان العربي عبر التاريخ. بالتأكيد.. لا أعرف أين موقعها في ديار العرب، لكن نحن أحفاد من حفرها.
بذلوا الجهد والعرق، حتى وصلوا إلى الماء، في قعر بئرهم الأولى. رحب وسهل. فأدركوا أنه [الماء أرخص موجود وأغلى مفقود].
حقق نجاحهم بالعثور عليه في جوف الأرض، نقلة في حياتهم. ثم جاء تساؤلهم التاريخي: كيف نعيد نفع الماء لسابق عطائه في سقيا الزرع؟ غير كاف أن تكون منفعة هذا الماء للشرب فقط. فتداعوا في ساحة البقاء، ترافعوا، قرروا رفع الماء بكميات أكبر، من أجل توفير الغذاء، فكانت بداية اختراع السانية العربية، تطورت وتحسنت، فوصلت إلينا دون حاجة لأي إضافة.
جعل العرب السانية جهاز حياة، بمكونات وأجزاء، بعضها يسند بعض، جميعها تعمل لاستنزاف الماء من قعر البئر، السانية اختراع عربي رشيد، حافظ على بقاء حياتهم على أرضهم الجافة، السانية إنجاز تاريخي يحمل سرا هندسيا، فجعلها محور حضارة العرب في أزمنة حياة الرمق الأخير.
أدعي وبفخر، بأن شخصي أول من وقف على هذا السر، فأعطيته تفسيرا علميا، ليؤكد نبوغ العقل العربي في إدارته لمناطقه الجافة، سيكون سر هذا التصميم الهندسي الفريد، مطروحا بكتابي القادم، إنه رواية عن علاقتي بالماء منذ طفولتي.. دعاؤكم سيعزز الأمل لصالح الماء.