هل حقا سحب المشاهير البساط من تحت أقدام الإعلاميين؟ هل أصبح الطرفان في مواجهة بعضهما البعض في معركة بقاء؟ هل البقاء حقا للأقوى؟
من وجهة نظر فئة مشاهير السوشيال ميديا فإن معطيات الاتصال تغيرت وقدمت لهم فرصة كانت محتكرة سابقة على منسوبي الإعلام التقليدي فقط، وأنزلتهم للميدان والناس تقبلتهم وأعجبت بهم وتابعتهم بالملايين و«أبسط حقوقهم» استغلال هذه الجماهيرية للوصول للواجهة التي هي حق للجميع. في ذات الوقت يعتقد أصحاب الإعلام التقليدي أن الإعلام «مهنة» وأن «المشاهير» تطفلوا على السلطة الرابعة بدون مقومات علمية أو تدريبية وبدون أدنى معرفة بأساسيات وأخلاقيات المهنة الأمر الذي «بوجهة نظرهم» يعرض المجتمع ككل للخطر.. حاله كحال كل أمر يوكل لغير صاحبه، حيث يقول المثل «أعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه».
وبين هذه النظرة وتلك، وبين تباكي مشاهير السوشيال ميديا وادعاء تعرضهم لحرب مقننة، وبين شيطنة الطرف الآخر لهم وادعاء أن كل مشاكل الكون سببها الوحيد المشاهير، أجدني مضطرا، بحكم التخصص، للنظر للأمر بصورة أعمق قليلا إن سمحتم لي بالمتابعة في الأسطر القادمة.
لا شك أن للمشاهير كل الحق بامتلاك منصاتهم الاجتماعية حالهم كحال أي شخص آخر في العالم، ولا شك أن امتلاكهم لهذه الجماهيرية الطاغية قد صاحبها عمل استحقوا عليه ثقة هذا الجمهور، وحق لهم التعامل مع جماهيرهم بالكيفية التي يرونها مناسبة ما دام الطرفان راضيين ومستمتعين كلا على طريقته. الإشكالية الكبرى برأيي هي سماح منسوبي الإعلام التقليدي - عن علم أو عن جهل منهم وأرجح الثانية - بالسماح للمشاهير بدخول عالم الإعلام الرسمي تدريجيا حتى استوطنوا فيه. لا أعتقد أن أحدا سيعترض (من ناحية المبدأ) على امتلاك شخص أو آخر لجماهيرية كبيرة طالما يعيش في عالمه الخاص هو وجماهيريته، وبالمناسبة فإن هذه تعد واحدة من أهم الظواهر التي نتجت عن الإعلام الجديد وهي نشوء مجتمعات مصغرة مختلفة تضم مجموعات من الأشخاص ذات الصفات والاهتمامات المشتركة «مجتمعات افتراضية» Online Communities وهي محض دراسة وتحليل في مختلف المجالات وخصوصا السياسية، من خلال تأثير هذه الرفاهية للمتلقي باختيار مصادر معلوماته Selective Exposure. وعلى كل حال، فهذه المجتمعات الافتراضية تتنوع في المحتوى كتنوع المخلوقات المجهرية في غابات إندونيسيا الاستوائية. فتجد صالات للتدريب الشخصي الاحترافي وصالات مختصة بالرياضة ومجموعات بينها علاقات تمتد لعشرات السنين يجمعها الإعجاب بفريق إنجليزي يقطن على مشارف نهر الميرسيسايد، وآخرون يمارسون الألعاب الافتراضية التي حدث وأن تابعها أكثر من متابعي أكبر فعالية كروية حدثت على كوكب الأرض. كل هؤلاء «المشاهير» لم يخترق أحد خصوصيتهم أو يحرض عليهم أو يتباكى من سحبهم البساط، كما لم يشتكوا قط من استهداف أو عدائية.
ما يحدث لدينا من حالة فريدة هي بسبب أن غالبية الممارسين للعمليات الاتصالية من غرف أخبار أو أقسام علاقات عامة أو مسؤولين عن حملات ترويجية لم يتمكنوا من الدخول في غمار التخصص وتتبع المستجدات على الساحات الاتصالية للإبداع والابتكار والحفاظ بل وتوسيع دائرة جماهيرهم، بل بحثوا عوضا عن ذلك عن شهرة وقتية سريعة «بدراهم معدودة» يدفعونها لهذا المشهور أو ذاك مقابل استعراض إنجازات - قد لا يتم تقييمها بموضوعية لمنع الطرف الإعلامي من القيام بدوره لتجنب الانتقادات والاستفراد بالساحة-. هؤلاء الإعلاميون لم يجدوا بديلا عن استضافة هؤلاء المشاهير عبر منصاتهم وإعادة نشر محتواهم عبر مواقعهم وصحفهم، وحين استطاب المقام وكثرت الإغراءات لمشاهير السناب استوطنوا ولم يرغبوا في المغادرة، عندها فزع التقليديون وعادوا للصراخ والمطالبة بالإنقاذ. وسط كل هذا التباكي على «ماض تولى» بادر التقليديون بأكل آلهتهم التي صنعوها بأيديهم آملين بعودة لن تحدث بتلقائية، ومرددين رائعة الهادي أحمد «أغدا ألقاك.. يا خوف فؤادي من غد»!
* باحث دكتوراة في الإعلام والاتصال
بنسلفانيا - الولايات المتحدة الأمريكية
@yazeeddd
من وجهة نظر فئة مشاهير السوشيال ميديا فإن معطيات الاتصال تغيرت وقدمت لهم فرصة كانت محتكرة سابقة على منسوبي الإعلام التقليدي فقط، وأنزلتهم للميدان والناس تقبلتهم وأعجبت بهم وتابعتهم بالملايين و«أبسط حقوقهم» استغلال هذه الجماهيرية للوصول للواجهة التي هي حق للجميع. في ذات الوقت يعتقد أصحاب الإعلام التقليدي أن الإعلام «مهنة» وأن «المشاهير» تطفلوا على السلطة الرابعة بدون مقومات علمية أو تدريبية وبدون أدنى معرفة بأساسيات وأخلاقيات المهنة الأمر الذي «بوجهة نظرهم» يعرض المجتمع ككل للخطر.. حاله كحال كل أمر يوكل لغير صاحبه، حيث يقول المثل «أعط الخبز لخبازه ولو أكل نصفه».
وبين هذه النظرة وتلك، وبين تباكي مشاهير السوشيال ميديا وادعاء تعرضهم لحرب مقننة، وبين شيطنة الطرف الآخر لهم وادعاء أن كل مشاكل الكون سببها الوحيد المشاهير، أجدني مضطرا، بحكم التخصص، للنظر للأمر بصورة أعمق قليلا إن سمحتم لي بالمتابعة في الأسطر القادمة.
لا شك أن للمشاهير كل الحق بامتلاك منصاتهم الاجتماعية حالهم كحال أي شخص آخر في العالم، ولا شك أن امتلاكهم لهذه الجماهيرية الطاغية قد صاحبها عمل استحقوا عليه ثقة هذا الجمهور، وحق لهم التعامل مع جماهيرهم بالكيفية التي يرونها مناسبة ما دام الطرفان راضيين ومستمتعين كلا على طريقته. الإشكالية الكبرى برأيي هي سماح منسوبي الإعلام التقليدي - عن علم أو عن جهل منهم وأرجح الثانية - بالسماح للمشاهير بدخول عالم الإعلام الرسمي تدريجيا حتى استوطنوا فيه. لا أعتقد أن أحدا سيعترض (من ناحية المبدأ) على امتلاك شخص أو آخر لجماهيرية كبيرة طالما يعيش في عالمه الخاص هو وجماهيريته، وبالمناسبة فإن هذه تعد واحدة من أهم الظواهر التي نتجت عن الإعلام الجديد وهي نشوء مجتمعات مصغرة مختلفة تضم مجموعات من الأشخاص ذات الصفات والاهتمامات المشتركة «مجتمعات افتراضية» Online Communities وهي محض دراسة وتحليل في مختلف المجالات وخصوصا السياسية، من خلال تأثير هذه الرفاهية للمتلقي باختيار مصادر معلوماته Selective Exposure. وعلى كل حال، فهذه المجتمعات الافتراضية تتنوع في المحتوى كتنوع المخلوقات المجهرية في غابات إندونيسيا الاستوائية. فتجد صالات للتدريب الشخصي الاحترافي وصالات مختصة بالرياضة ومجموعات بينها علاقات تمتد لعشرات السنين يجمعها الإعجاب بفريق إنجليزي يقطن على مشارف نهر الميرسيسايد، وآخرون يمارسون الألعاب الافتراضية التي حدث وأن تابعها أكثر من متابعي أكبر فعالية كروية حدثت على كوكب الأرض. كل هؤلاء «المشاهير» لم يخترق أحد خصوصيتهم أو يحرض عليهم أو يتباكى من سحبهم البساط، كما لم يشتكوا قط من استهداف أو عدائية.
ما يحدث لدينا من حالة فريدة هي بسبب أن غالبية الممارسين للعمليات الاتصالية من غرف أخبار أو أقسام علاقات عامة أو مسؤولين عن حملات ترويجية لم يتمكنوا من الدخول في غمار التخصص وتتبع المستجدات على الساحات الاتصالية للإبداع والابتكار والحفاظ بل وتوسيع دائرة جماهيرهم، بل بحثوا عوضا عن ذلك عن شهرة وقتية سريعة «بدراهم معدودة» يدفعونها لهذا المشهور أو ذاك مقابل استعراض إنجازات - قد لا يتم تقييمها بموضوعية لمنع الطرف الإعلامي من القيام بدوره لتجنب الانتقادات والاستفراد بالساحة-. هؤلاء الإعلاميون لم يجدوا بديلا عن استضافة هؤلاء المشاهير عبر منصاتهم وإعادة نشر محتواهم عبر مواقعهم وصحفهم، وحين استطاب المقام وكثرت الإغراءات لمشاهير السناب استوطنوا ولم يرغبوا في المغادرة، عندها فزع التقليديون وعادوا للصراخ والمطالبة بالإنقاذ. وسط كل هذا التباكي على «ماض تولى» بادر التقليديون بأكل آلهتهم التي صنعوها بأيديهم آملين بعودة لن تحدث بتلقائية، ومرددين رائعة الهادي أحمد «أغدا ألقاك.. يا خوف فؤادي من غد»!
* باحث دكتوراة في الإعلام والاتصال
بنسلفانيا - الولايات المتحدة الأمريكية
@yazeeddd