«اليوم» ترصد مشاعر استقبال الناس لشهر الصيام
بدأت الأيام الأولى من شهر رمضان، بهدوء تام في الطرقات والمتاجر، بخلاف ما كانت عليه في أعوام مضت، فيما طغت رسائل التهنئة واستخدام التطبيقات بين أفراد المجتمع، في ظل التباعد والإجراءات المتخذة بسبب فيروس «كورونا» المستجد.
الانهماك في «كورونا» جعل الكثيرين لا يفكرون بالعادات والأثر الرجعي على الناس «ما بعد كورونا»، مثل ثقافة الاحترازات الوقائية، وعدم المصافحة، والتباعد المتري، والكثير مما سيختلف عليه الناس بعد مرور الجائحة وانتهائها.
وتابعت «اليوم» مشاعر الناس، وكيفية استقبالهم للشهر، والآثار المترتبة على الابتعاد عن المصافحة واللقاءات الاجتماعية.
حنين للقاءات العائلية.. وتواصل إلكتروني
قال عبدالله الزهراني إنه يشعر بالحنين للقاءات العائلية التي كانت سابقًا، إذ كان وإخوته وعوائلهم يجتمعون في أول يوم لدى الأخ الأكبر، وتناول وجبة الإفطار وهذه عادة منذ سنوات طويلة.
وأشار إلى أنه قضى أول يوم في رمضان على غير المعتاد، وأن البعد عن المصافحة أفقد البعض الشعور بالحميمية، ولكنها في المقابل إجراءات هامة للوقاية من «كورونا»، مضيفًا إن أول شخص يرغب في مصافحته بعد انقضاء الأزمة، هي والدته الطاعنة في السن، وأنه يتواصل معها يوميًا عبر الاتصال المرئي، ولكن ذلك لا يعيض عن التواصل الجسدي. من ناحيته أكد إبراهيم الشمراني أنه تواصل مع زملائه في المدرسة، عبر برامج الاتصال المرئي، وكانت الأحاديث جميعها عن كيفية السلام على الأب والأم، وتهنئتهما بقدوم شهر رمضان، وكذلك الجد والجدة، مضيفًا: «لا أعلم كيف سيكون الأمر بعد انقضاء الأزمة، فربما تختلط مشاعر الفرحة بمشاعر الصدمة من هذا الوباء الذي قيدنا، وبدأنا نشعر بأهمية المدرسة وأهمية الحركة». وأضاف الشمراني: إنه بدأ في معرفة مصطلحات جديدة لم تكن معلومة لديه، مثل الصحة النفسية، وكذلك ممارسات أصبحت ضرورة ملحة مثل التعقيم.
احترازات وقائية.. في المنزل والتسوق
ذكرت المواطنة «أم خالد» أنها حرصت، منذ بدء الأزمة، على أن يتبع أبناؤها الاحترازات الوقائية، ومن أهمها غسل اليدين قبل ممارسة الحياة اليومية، للحد من انتشار الفيروس، مضيفةً: «سيظل هذا نظامنا حتى بعد انحسار الوباء، حيث أصبح من الضروري تواجد المعقم في المنزل، بات أمرا ضروريا ولا يمكن الاستغناء عنه».
من ناحيتها، أكدت شيخة الدوسري، أنها أصبحت منذ بدء الجائحة، تخشى مصافحة الأقرباء ومعارفها، منوّهةً لأنها في بعض الأحيان تلتقي بجاراتها حين تخرج للعمل، ولكنها تخشى المصافحة وتعتذر عن ذلك.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يسبب خجلًا كبيرًا لها، ولكنها مضطرة، مضيفةً: «أعتقد أننا نحتاج وقتا طويلا بعد الأزمة لاجتياز هذا الخوف والهلع، ولا نعرف متى سيصبح الأمر طبيعيا».
وقالت حنان أحمد: «ننتظر بفائق الشوق انحسار الوباء، اشتقنا لمصافحة الأهل ومعانقتهم، أصبحنا نخشى تقبيل الأطفال وأمهاتنا بسبب خوفنا عليهم، وحقيقةً الأزمة غيرت أمرًا كبيرًا بين العوائل، ولعلّ أهمها الترابط الأسري والتآزر فيما بين الناس، والخوف على بعضهم البعض».
فيما أشارت المواطنة «أم عبدالله» إلى نقطة خوفها الوحيدة التي تخالجها وقت التبضّع، قائلة: «ينتابني هلع شديد أثناء خروجي من المنزل للتبضع، أصبح لدي فوبيا من الاكتظاظ والازدحام، حتى إنني ما إن أعود للمنزل أطبق احترازات وقائية شديدة قبل الدخول لأطفالي، وأعتقد أن هذا الأمر سيستمر بعد الأزمة لتحقيق الوقاية من الفيروس وغيره».
سحور «عن بعد».. وتوعية ضرورية
أكد متعب البريك أنه اعتاد سنويًا أن يفطر مع والديه في الطائف، وأنّه عند بداية الأزمة، كان من الصعب الابتعاد عن المصافحة، وأصبح الآن اعتياديا، مضيفًا: «تواصلي مع الوالدين بشكل مستمر عبر الهاتف سواء مسموعا أو مرئيا».
وقال إنه خلال أول سحور، استغل التقنية، وأجرى اتصالًا مرئيًا معهم، وتناول وجبة السحور عن بعد، لكي لا يفقد شعور الاجتماع العائلي المعتاد، مبينًا أنه ينتظر انتهاء الأزمة للسفر، وتقبيل رأسي وأيدي والديه.
فيما أشار فهد الشهري إلى أنه صادف موقفًا محرجًا، عندما مد أحدهم يده للمصافحة وتهنئته بشهر رمضان، ناسيا تجنب المصافحة، ما أوقعه في حرج، واعتذر، مضيفا إنه وبسبب «كورونا»، أصبحت الجملة المتداولة بين الجميع «السلام نظر».
وتابع: إنه يجب على المختصين النفسيين توعية المجتمع، ورصد الآثار لمعالجتها، فالبعض يحتاج للتوعية النفسية بهذا الشأن، مؤكدًا أنه اعتاد خلال أشهر رمضان الماضية أخذ أطفاله الصغار وممارسة المشي وإفطار صائمين وزيارة الجيران، وأنه استعاض عن ذلك بتوفير الألعاب لأطفاله، ورسم أشبه ما يكون بخطوط مشاة لممارسة المشي عليها.
خبير: صلة الرحم لا تنقطع بالتباعد الجسدي
أكد مستشار تطوير الذات وخبير العلاقات المعتمد وعضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية د. طلال أبا ذراع أن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ومن أهم مقومات الوجود الإنساني، الشعور بالانتماء لأسرة تلبي احتياجاته الأسرية العاطفية، وما يشعره بالأمن، وهذا ما يجعل الإنسان متعلقا بأسرته.
وأضاف: رمضان الشهر الأسري الاجتماعي، فالناس يتزاورون بشكل أكبر خلال هذا الشهر على موائد الإفطار والسحور، والآن في عصر كورونا، تبدلت الأحوال، علمًا بأن مثل هذه الجوائح لها فائدة في تعلمنا كيفية التأقلم والتعامل مع الأحداث، وتنمية أواصر العلاقات بأسلوب جديد، وتنمي مهارات الإنسان المتعددة.
وبين د. أبا ذراع أن التواصل بين الناس أصبح متعددًا، فبعد أن كان التواصل جسديًا، أصبح البديل متوافرا خاصة أنه في رمضان، فالأنفس البشرية تتطلع للالتقاء، وبالتالي أصبح اللقاء مرئيا أو مسموعا، مضيفا: إن السلام لم ينقطع بين الناس، ولكنه تغير في طريقته، فأصبح السلام نظرا، وكذلك الإشارة باليد من بعيد، وكل ذلك يرسخ الصورة النمطية عن السلام قبل وأثناء وبعد كورونا في أذهن المجتمع.
وأشار إلى أن صلة الرحم لا تنقطع بسبب التباعد الجسدي، وهذا شيء مهم يجب أن يعيه الجميع، وأن عليه الاستمرار في التواصل من بعد، وتقوية الروابط، واستغلال توفر المزيد من الوقت بسبب قلة الأعمال.
مختصة: الاستسلام للهلع يضعف جهاز المناعة
أكدت الأخصائية النفسية رانيا أبو خديجة، أن الخوف، والقلق، والهلع، وفقدان السيطرة على الأعصاب، كلها أعراض ظهرت مع انتشار فيروس «كورونا»، فالأزمة النفسية ازدادت حدة؛ لعدم معرفة توقيت انتهاء هذه الأزمة.
وأشارت إلى أن إجراءات الحجر المنزلي والإجراءات الاحترازية تدفع لمزيد من التوتر، خاصةً أن الخيارات باتت ضئيلة جدًا مع وجود التباعد الاجتماعي، الذي ضاعف من الحالة المزاجية السيئة التي انعكست على الأجساد، فضلاً عن فوبيا الجراثيم والخوف من العدوى عن طريق المصافحة ولمس الأشياء.
وقالت: في بعض الأحيان تظهر أعراض مشابهة لأعراض كورونا عند بعض الناس بسبب حالات القلق والاضطراب النفسي، وما تعكسه سلبًا على المناعة، وعلى الراحة الجسدية، وهناك مشكلة فيما بعد أزمة كورونا، وهذا يعتمد على ردود الأفعال النفسية عند الأشخاص.
وأشارت إلى أن سلوكيات الناس تختلف تجاه الأزمات، فمنهم من يتحدث دون مبالاة، ومنهم من يتأثر كثيرًا لدرجة الهوس في التعقيم والوصول إلى مرحلة الوسواس القهري في مسألة النظافة.
وأكّدت أن الاستسلام للهلع والخوف يؤدي إلى ضعف جهاز المناعة، وهذا يشكل فرصة للإصابة بفيروس كورونا، والضغط النفسي هو الضريبة التي يستجيب لها الجسد لا إراديًا، وبهذا قد تصل الحالة لفقدان التوازن في المتطلبات النفسية قبل وبعد فيروس كورونا، لذا يجب عدم التركيز على الأفكار السلبية، وتركها تطفو كفقاعة أو تطير بعيدا كسحابة.
وشددت أبو خديجة على الأشخاص الذين يعانون من هذه الوساوس أو المخاوف، بعدم متابعة مستجدات فيروس كورونا لحظة بلحظة، وذلك بصرف الانتباه إلى شيء آخر يمكن القيام به، لتمضية الوقت بشكل مفيد.
استشاري نفسي: التكيف يحميك من أمراض العزلة
ذكر استشاري الطب النفسي د. محمد المقهوي، أن من أهم مقومات الصحة النفسية، التواصل الاجتماعي، وكما هو معلوم لدى علماء النفس، فإنه من الحاجات النفسية الأساسية الحاجة للانتماء، والحاجة إلى التواصل، وبدونها يحدث خلل، وإشباعها يكون من خلال التواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الإيجابية، وهذه من الأشياء التي تحدث توازنًا في حياة الفرد.
وأشار إلى أن هناك كثيرًا من الدراسات التي بينت وأقيمت على موضوع السعادة، وجدت أن من أهم مقومات السعادة وجود علاقات إيجابية، وقد تكون من أفضل العلاقات العلاقة مع البيئة القريبة، مثل الأسرة والأبناء والوالدين.
وأضاف: إنه في ظل جائحة كورونا، والتدابير المتخذة، من خلال وجود المسافات، والابتعاد عن المصافحة، جعل البعض يعتقد أن الابتعاد الجسدي يحقق السلامة، لكنه في المقابل له آثاره السلبية النفسية لدى البعض، وخاصة الأشخاص الاجتماعيين، الذين سعادتهم تكمن في تواصلهم مع المجتمع والمحيطين بهم، كما أن فئة كبار السن سيكونون أكثر عرضة للتأثر، نظرًا لاعتيادهم سنوات طويلة على زيارات أبنائهم وجيرانهم.
وأكد أن ذلك قد يتعدى إلى البالغين، وأن بعض الدراسات بينت أن شعور العزلة قد يؤدي إلى مجموعة من الأمراض، مثل السمنة، والقلق، والاكتئاب، وأمراض القلب، ولكن من الأشياء التي تخفف هذه الآثار، قدرة الإنسان على التكيف.
وعن النتائج المتوقعة لما هو بعد هذه الجائحة، قال د.المقهوي: إن المجتمع بدأ في تقدير قيمة الأسرة وأهميتها، وهذا انعكس على أرض الواقع، من خلال البرامج التي نشاهدها بين أفراد الأسرة، وعلى المدى البعيد سنلاحظ تزايدا على الإقبال الأسري، والعلاقات الاجتماعية ستكون أكثر حميمية وقربًا.
مراجعة لتصحيح النفس واستخدام البدائل
بيّنت المواطنة فاطمة سالم خوفها من الأماكن العامة، والمطاعم والأكياس، والطلبات الإلكترونية، وكذلك دخول العمالة للمنزل لإجراء أي إصلاحات، وما إلى ذلك، وذلك بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابات من العمالة.
وقالت المواطنة «أم فيصل»: إن مغادرة «كورونا» ستكفل حياة أفضل، إثر مراجعة الكثير منا لنفسه، وتصحيح مسار حياته، وأن شعور الفقد والاشتياق للأهل سيُحقق التلاحم والمحبة.
وأوضح سليمان التميمي أنه وجد صعوبة في تجنب المصافحة بداية الأمر، وكذلك خلال شهر رمضان، لأننا اعتدنا أن هناك اجتماعًا ليلة رمضان بين الجيران؛ للتهنئة بقدوم الشهر، وكذلك اجتماع آخر في منتصف الشهر للإفطار سويًا، مبينا أن البديل كان التطبيقات الإلكترونية.
وأكدت عائشة يعقوب أن أزمة «كورونا» زوّدتنا بدرس للحياة، يعنى بالمحافظة على صحة الإنسان، وصحة ذويه وأحبابه، وتحديدًا كبار السن، إثر ما يتم تداوله عبر وزارة الصحة حول صعوبة اجتيازهم للوباء إثر الأمراض المزمنة المُصابين بها، منوّهةً بضرورة تأسيس الأطفال أيضًا بأسس النظافة، حول كيفية غسل اليد بالطريقة الصحيحة، والإشارة لهم بحماية ذواتهم من الأسطح والألعاب المهيأة لالتقاط الفيروس.
كشف المستشار الأسري والباحث في العلاقات الاجتماعية فهد القرني، أن التقارب والانسجام بين أفراد الأسرة، كأب وأم وأبناء أصبح أكثر، وأن الآثار المترتبة على التباعد، وعدم السلام، متوقع أن تكون كبيرة، موضحًا أن البعد عن الاجتماعات خلال الفترة الحالية بسبب العزل المنزلي، قد يسبب العزلة والانطواء، وخاصة على الأطفال.
وأضاف: ننصح دائمًا بضرورة أن يكون هناك تعويض من الآباء والأمهات وأولياء الأمور، وأن يستشعروا المسؤولية، وبالإمكان القيام ببرامج متنوعة، وألعاب حركية، وألعاب الذكاء، وتوعية الأبناء بأن هذه فترة وستنقضي، وأنها جاءت لحمايتنا، وأن هناك عبادات وعادات لا يمكن أن نفقدها بعد انتهاء كورونا، ومن أهمها السلام والتواصل بين المجتمع.
وأكمل: في ظل العزل، فنحن أمام خيارين، الأول هو التكيف والتأقلم على ذلك، والثاني هو الانعزال والتضجر، وبالتالي تكون الآثار وخيمة، مضيفًا: أن الأجهزة الذكية «نعمة»، للتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ولكن يجب أن يكون الاستعمال مقننا والحذر من الإطالة على الأجهزة، نظرًا لما تسببه من أضرار صحية جانبية.
واعتبر القرني أن بعض الأفراد يصابون بالقلق الشديد، وبالتالي يفترض عليه الابتعاد عن متابعة الأخبار التي تظهر الإصابات، لأنها ستزيد من توترهم، وربما ينعكس ذلك على المحيطين بهم.
مستشار أسري: على الآباء حماية الأبناء من الانطواء
كبار السن الأكثر عرضة للآثار الرجعية
أكّدت الأخصائية الاجتماعية بجامعة الملك سعود فادية العبدالواحد، أن الآثار الرجعية بعد جائحة كورونا قد تستمر وقتاً طويلًا لدى البعض، أما البعض الآخر فقد لا تترك أثرًا لديه، ويرجع ذلك لاختلاف العمر، فهو الذي يحدد التعافي النفسي والمعنوي من جائحة «كورونا».
ونوهت بأن صغار السن وفئة الشباب، لن يستمر الأثر الرجعي عليهم سوى فترة قصيرة جدًا، أما متوسطو وكبار العمر فهم أكثر تأثرًا بالآثار السلبية للفيروس، وأنهم لن يجازفوا بالاختلاط في الأماكن العامة، أو السفر، أو الاختلاط بالناس عند انتهاء الفيروس، بل سيستمرون في الاحتياط والابتعاد قدر الإمكان.
طبيبة رعاية تدعو لتحويل التعليمات الصحية إلى منهج حياة
أبرز طرق التواصل مع بداية شهر رمضان
1-
التهنئة عبر التطبيقات وبرامج الأجهزة الذكية
2-
بث الكثير من مقاطع الفيديو والصور
3-
الإفطار الجماعي المرئي بين أفراد الأسرة في مواقع مختلفة
4-
توثيق اللحظات الأولى للإفطار
5-
الانهماك في «كورونا» جعل الكثيرين لا يفكرون بالعادات والأثر الرجعي على الناس «ما بعد كورونا»، مثل ثقافة الاحترازات الوقائية، وعدم المصافحة، والتباعد المتري، والكثير مما سيختلف عليه الناس بعد مرور الجائحة وانتهائها.
وتابعت «اليوم» مشاعر الناس، وكيفية استقبالهم للشهر، والآثار المترتبة على الابتعاد عن المصافحة واللقاءات الاجتماعية.
حنين للقاءات العائلية.. وتواصل إلكتروني
قال عبدالله الزهراني إنه يشعر بالحنين للقاءات العائلية التي كانت سابقًا، إذ كان وإخوته وعوائلهم يجتمعون في أول يوم لدى الأخ الأكبر، وتناول وجبة الإفطار وهذه عادة منذ سنوات طويلة.
وأشار إلى أنه قضى أول يوم في رمضان على غير المعتاد، وأن البعد عن المصافحة أفقد البعض الشعور بالحميمية، ولكنها في المقابل إجراءات هامة للوقاية من «كورونا»، مضيفًا إن أول شخص يرغب في مصافحته بعد انقضاء الأزمة، هي والدته الطاعنة في السن، وأنه يتواصل معها يوميًا عبر الاتصال المرئي، ولكن ذلك لا يعيض عن التواصل الجسدي. من ناحيته أكد إبراهيم الشمراني أنه تواصل مع زملائه في المدرسة، عبر برامج الاتصال المرئي، وكانت الأحاديث جميعها عن كيفية السلام على الأب والأم، وتهنئتهما بقدوم شهر رمضان، وكذلك الجد والجدة، مضيفًا: «لا أعلم كيف سيكون الأمر بعد انقضاء الأزمة، فربما تختلط مشاعر الفرحة بمشاعر الصدمة من هذا الوباء الذي قيدنا، وبدأنا نشعر بأهمية المدرسة وأهمية الحركة». وأضاف الشمراني: إنه بدأ في معرفة مصطلحات جديدة لم تكن معلومة لديه، مثل الصحة النفسية، وكذلك ممارسات أصبحت ضرورة ملحة مثل التعقيم.
احترازات وقائية.. في المنزل والتسوق
ذكرت المواطنة «أم خالد» أنها حرصت، منذ بدء الأزمة، على أن يتبع أبناؤها الاحترازات الوقائية، ومن أهمها غسل اليدين قبل ممارسة الحياة اليومية، للحد من انتشار الفيروس، مضيفةً: «سيظل هذا نظامنا حتى بعد انحسار الوباء، حيث أصبح من الضروري تواجد المعقم في المنزل، بات أمرا ضروريا ولا يمكن الاستغناء عنه».
من ناحيتها، أكدت شيخة الدوسري، أنها أصبحت منذ بدء الجائحة، تخشى مصافحة الأقرباء ومعارفها، منوّهةً لأنها في بعض الأحيان تلتقي بجاراتها حين تخرج للعمل، ولكنها تخشى المصافحة وتعتذر عن ذلك.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يسبب خجلًا كبيرًا لها، ولكنها مضطرة، مضيفةً: «أعتقد أننا نحتاج وقتا طويلا بعد الأزمة لاجتياز هذا الخوف والهلع، ولا نعرف متى سيصبح الأمر طبيعيا».
وقالت حنان أحمد: «ننتظر بفائق الشوق انحسار الوباء، اشتقنا لمصافحة الأهل ومعانقتهم، أصبحنا نخشى تقبيل الأطفال وأمهاتنا بسبب خوفنا عليهم، وحقيقةً الأزمة غيرت أمرًا كبيرًا بين العوائل، ولعلّ أهمها الترابط الأسري والتآزر فيما بين الناس، والخوف على بعضهم البعض».
فيما أشارت المواطنة «أم عبدالله» إلى نقطة خوفها الوحيدة التي تخالجها وقت التبضّع، قائلة: «ينتابني هلع شديد أثناء خروجي من المنزل للتبضع، أصبح لدي فوبيا من الاكتظاظ والازدحام، حتى إنني ما إن أعود للمنزل أطبق احترازات وقائية شديدة قبل الدخول لأطفالي، وأعتقد أن هذا الأمر سيستمر بعد الأزمة لتحقيق الوقاية من الفيروس وغيره».
سحور «عن بعد».. وتوعية ضرورية
أكد متعب البريك أنه اعتاد سنويًا أن يفطر مع والديه في الطائف، وأنّه عند بداية الأزمة، كان من الصعب الابتعاد عن المصافحة، وأصبح الآن اعتياديا، مضيفًا: «تواصلي مع الوالدين بشكل مستمر عبر الهاتف سواء مسموعا أو مرئيا».
وقال إنه خلال أول سحور، استغل التقنية، وأجرى اتصالًا مرئيًا معهم، وتناول وجبة السحور عن بعد، لكي لا يفقد شعور الاجتماع العائلي المعتاد، مبينًا أنه ينتظر انتهاء الأزمة للسفر، وتقبيل رأسي وأيدي والديه.
فيما أشار فهد الشهري إلى أنه صادف موقفًا محرجًا، عندما مد أحدهم يده للمصافحة وتهنئته بشهر رمضان، ناسيا تجنب المصافحة، ما أوقعه في حرج، واعتذر، مضيفا إنه وبسبب «كورونا»، أصبحت الجملة المتداولة بين الجميع «السلام نظر».
وتابع: إنه يجب على المختصين النفسيين توعية المجتمع، ورصد الآثار لمعالجتها، فالبعض يحتاج للتوعية النفسية بهذا الشأن، مؤكدًا أنه اعتاد خلال أشهر رمضان الماضية أخذ أطفاله الصغار وممارسة المشي وإفطار صائمين وزيارة الجيران، وأنه استعاض عن ذلك بتوفير الألعاب لأطفاله، ورسم أشبه ما يكون بخطوط مشاة لممارسة المشي عليها.
خبير: صلة الرحم لا تنقطع بالتباعد الجسدي
أكد مستشار تطوير الذات وخبير العلاقات المعتمد وعضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية د. طلال أبا ذراع أن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، ومن أهم مقومات الوجود الإنساني، الشعور بالانتماء لأسرة تلبي احتياجاته الأسرية العاطفية، وما يشعره بالأمن، وهذا ما يجعل الإنسان متعلقا بأسرته.
وأضاف: رمضان الشهر الأسري الاجتماعي، فالناس يتزاورون بشكل أكبر خلال هذا الشهر على موائد الإفطار والسحور، والآن في عصر كورونا، تبدلت الأحوال، علمًا بأن مثل هذه الجوائح لها فائدة في تعلمنا كيفية التأقلم والتعامل مع الأحداث، وتنمية أواصر العلاقات بأسلوب جديد، وتنمي مهارات الإنسان المتعددة.
وبين د. أبا ذراع أن التواصل بين الناس أصبح متعددًا، فبعد أن كان التواصل جسديًا، أصبح البديل متوافرا خاصة أنه في رمضان، فالأنفس البشرية تتطلع للالتقاء، وبالتالي أصبح اللقاء مرئيا أو مسموعا، مضيفا: إن السلام لم ينقطع بين الناس، ولكنه تغير في طريقته، فأصبح السلام نظرا، وكذلك الإشارة باليد من بعيد، وكل ذلك يرسخ الصورة النمطية عن السلام قبل وأثناء وبعد كورونا في أذهن المجتمع.
وأشار إلى أن صلة الرحم لا تنقطع بسبب التباعد الجسدي، وهذا شيء مهم يجب أن يعيه الجميع، وأن عليه الاستمرار في التواصل من بعد، وتقوية الروابط، واستغلال توفر المزيد من الوقت بسبب قلة الأعمال.
مختصة: الاستسلام للهلع يضعف جهاز المناعة
أكدت الأخصائية النفسية رانيا أبو خديجة، أن الخوف، والقلق، والهلع، وفقدان السيطرة على الأعصاب، كلها أعراض ظهرت مع انتشار فيروس «كورونا»، فالأزمة النفسية ازدادت حدة؛ لعدم معرفة توقيت انتهاء هذه الأزمة.
وأشارت إلى أن إجراءات الحجر المنزلي والإجراءات الاحترازية تدفع لمزيد من التوتر، خاصةً أن الخيارات باتت ضئيلة جدًا مع وجود التباعد الاجتماعي، الذي ضاعف من الحالة المزاجية السيئة التي انعكست على الأجساد، فضلاً عن فوبيا الجراثيم والخوف من العدوى عن طريق المصافحة ولمس الأشياء.
وقالت: في بعض الأحيان تظهر أعراض مشابهة لأعراض كورونا عند بعض الناس بسبب حالات القلق والاضطراب النفسي، وما تعكسه سلبًا على المناعة، وعلى الراحة الجسدية، وهناك مشكلة فيما بعد أزمة كورونا، وهذا يعتمد على ردود الأفعال النفسية عند الأشخاص.
وأشارت إلى أن سلوكيات الناس تختلف تجاه الأزمات، فمنهم من يتحدث دون مبالاة، ومنهم من يتأثر كثيرًا لدرجة الهوس في التعقيم والوصول إلى مرحلة الوسواس القهري في مسألة النظافة.
وأكّدت أن الاستسلام للهلع والخوف يؤدي إلى ضعف جهاز المناعة، وهذا يشكل فرصة للإصابة بفيروس كورونا، والضغط النفسي هو الضريبة التي يستجيب لها الجسد لا إراديًا، وبهذا قد تصل الحالة لفقدان التوازن في المتطلبات النفسية قبل وبعد فيروس كورونا، لذا يجب عدم التركيز على الأفكار السلبية، وتركها تطفو كفقاعة أو تطير بعيدا كسحابة.
وشددت أبو خديجة على الأشخاص الذين يعانون من هذه الوساوس أو المخاوف، بعدم متابعة مستجدات فيروس كورونا لحظة بلحظة، وذلك بصرف الانتباه إلى شيء آخر يمكن القيام به، لتمضية الوقت بشكل مفيد.
استشاري نفسي: التكيف يحميك من أمراض العزلة
ذكر استشاري الطب النفسي د. محمد المقهوي، أن من أهم مقومات الصحة النفسية، التواصل الاجتماعي، وكما هو معلوم لدى علماء النفس، فإنه من الحاجات النفسية الأساسية الحاجة للانتماء، والحاجة إلى التواصل، وبدونها يحدث خلل، وإشباعها يكون من خلال التواصل مع الآخرين وبناء العلاقات الإيجابية، وهذه من الأشياء التي تحدث توازنًا في حياة الفرد.
وأشار إلى أن هناك كثيرًا من الدراسات التي بينت وأقيمت على موضوع السعادة، وجدت أن من أهم مقومات السعادة وجود علاقات إيجابية، وقد تكون من أفضل العلاقات العلاقة مع البيئة القريبة، مثل الأسرة والأبناء والوالدين.
وأضاف: إنه في ظل جائحة كورونا، والتدابير المتخذة، من خلال وجود المسافات، والابتعاد عن المصافحة، جعل البعض يعتقد أن الابتعاد الجسدي يحقق السلامة، لكنه في المقابل له آثاره السلبية النفسية لدى البعض، وخاصة الأشخاص الاجتماعيين، الذين سعادتهم تكمن في تواصلهم مع المجتمع والمحيطين بهم، كما أن فئة كبار السن سيكونون أكثر عرضة للتأثر، نظرًا لاعتيادهم سنوات طويلة على زيارات أبنائهم وجيرانهم.
وأكد أن ذلك قد يتعدى إلى البالغين، وأن بعض الدراسات بينت أن شعور العزلة قد يؤدي إلى مجموعة من الأمراض، مثل السمنة، والقلق، والاكتئاب، وأمراض القلب، ولكن من الأشياء التي تخفف هذه الآثار، قدرة الإنسان على التكيف.
وعن النتائج المتوقعة لما هو بعد هذه الجائحة، قال د.المقهوي: إن المجتمع بدأ في تقدير قيمة الأسرة وأهميتها، وهذا انعكس على أرض الواقع، من خلال البرامج التي نشاهدها بين أفراد الأسرة، وعلى المدى البعيد سنلاحظ تزايدا على الإقبال الأسري، والعلاقات الاجتماعية ستكون أكثر حميمية وقربًا.
مراجعة لتصحيح النفس واستخدام البدائل
بيّنت المواطنة فاطمة سالم خوفها من الأماكن العامة، والمطاعم والأكياس، والطلبات الإلكترونية، وكذلك دخول العمالة للمنزل لإجراء أي إصلاحات، وما إلى ذلك، وذلك بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابات من العمالة.
وقالت المواطنة «أم فيصل»: إن مغادرة «كورونا» ستكفل حياة أفضل، إثر مراجعة الكثير منا لنفسه، وتصحيح مسار حياته، وأن شعور الفقد والاشتياق للأهل سيُحقق التلاحم والمحبة.
وأوضح سليمان التميمي أنه وجد صعوبة في تجنب المصافحة بداية الأمر، وكذلك خلال شهر رمضان، لأننا اعتدنا أن هناك اجتماعًا ليلة رمضان بين الجيران؛ للتهنئة بقدوم الشهر، وكذلك اجتماع آخر في منتصف الشهر للإفطار سويًا، مبينا أن البديل كان التطبيقات الإلكترونية.
وأكدت عائشة يعقوب أن أزمة «كورونا» زوّدتنا بدرس للحياة، يعنى بالمحافظة على صحة الإنسان، وصحة ذويه وأحبابه، وتحديدًا كبار السن، إثر ما يتم تداوله عبر وزارة الصحة حول صعوبة اجتيازهم للوباء إثر الأمراض المزمنة المُصابين بها، منوّهةً بضرورة تأسيس الأطفال أيضًا بأسس النظافة، حول كيفية غسل اليد بالطريقة الصحيحة، والإشارة لهم بحماية ذواتهم من الأسطح والألعاب المهيأة لالتقاط الفيروس.
كشف المستشار الأسري والباحث في العلاقات الاجتماعية فهد القرني، أن التقارب والانسجام بين أفراد الأسرة، كأب وأم وأبناء أصبح أكثر، وأن الآثار المترتبة على التباعد، وعدم السلام، متوقع أن تكون كبيرة، موضحًا أن البعد عن الاجتماعات خلال الفترة الحالية بسبب العزل المنزلي، قد يسبب العزلة والانطواء، وخاصة على الأطفال.
وأضاف: ننصح دائمًا بضرورة أن يكون هناك تعويض من الآباء والأمهات وأولياء الأمور، وأن يستشعروا المسؤولية، وبالإمكان القيام ببرامج متنوعة، وألعاب حركية، وألعاب الذكاء، وتوعية الأبناء بأن هذه فترة وستنقضي، وأنها جاءت لحمايتنا، وأن هناك عبادات وعادات لا يمكن أن نفقدها بعد انتهاء كورونا، ومن أهمها السلام والتواصل بين المجتمع.
وأكمل: في ظل العزل، فنحن أمام خيارين، الأول هو التكيف والتأقلم على ذلك، والثاني هو الانعزال والتضجر، وبالتالي تكون الآثار وخيمة، مضيفًا: أن الأجهزة الذكية «نعمة»، للتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، ولكن يجب أن يكون الاستعمال مقننا والحذر من الإطالة على الأجهزة، نظرًا لما تسببه من أضرار صحية جانبية.
واعتبر القرني أن بعض الأفراد يصابون بالقلق الشديد، وبالتالي يفترض عليه الابتعاد عن متابعة الأخبار التي تظهر الإصابات، لأنها ستزيد من توترهم، وربما ينعكس ذلك على المحيطين بهم.
مستشار أسري: على الآباء حماية الأبناء من الانطواء
كبار السن الأكثر عرضة للآثار الرجعية
أكّدت الأخصائية الاجتماعية بجامعة الملك سعود فادية العبدالواحد، أن الآثار الرجعية بعد جائحة كورونا قد تستمر وقتاً طويلًا لدى البعض، أما البعض الآخر فقد لا تترك أثرًا لديه، ويرجع ذلك لاختلاف العمر، فهو الذي يحدد التعافي النفسي والمعنوي من جائحة «كورونا».
ونوهت بأن صغار السن وفئة الشباب، لن يستمر الأثر الرجعي عليهم سوى فترة قصيرة جدًا، أما متوسطو وكبار العمر فهم أكثر تأثرًا بالآثار السلبية للفيروس، وأنهم لن يجازفوا بالاختلاط في الأماكن العامة، أو السفر، أو الاختلاط بالناس عند انتهاء الفيروس، بل سيستمرون في الاحتياط والابتعاد قدر الإمكان.
طبيبة رعاية تدعو لتحويل التعليمات الصحية إلى منهج حياة
أبرز طرق التواصل مع بداية شهر رمضان
1-
التهنئة عبر التطبيقات وبرامج الأجهزة الذكية
2-
بث الكثير من مقاطع الفيديو والصور
3-
الإفطار الجماعي المرئي بين أفراد الأسرة في مواقع مختلفة
4-
توثيق اللحظات الأولى للإفطار
5-