فهد سعدون الخالدي

تعجبني كثيرا عبارة ما بعد كورونا ليس كما قبلها بما تحمله من دلالات ووعي بطبيعة مرحلة ما قبل كورونا وما بعدها فعلا، وبما تشير إليه من ضرورة التغيير وتقبله، والدعوة إليه، وإدراك أهميته أيضا. وإذا كان قول «رب ضارة نافعة» هو قول جميل أيضا، فإنه يمكن القول إننا بحاجة إلى إرادة وعزم على جعل هذه الأقوال جميعها حقائق على أرض الواقع من خلال مراجعة أفكارنا وسلوكنا، بل وبعض عاداتنا والتكيف مع الظروف والأحوال والحقائق التي اتضح مع معايشة هذه الجائحة أنها تحتاج إلى مراجعة، وأنه كان لا ينبغي الانتظار حتى حلول مثل هذه الظروف حتى ننتبه إلى ضرورة مراجعتها، وهذا الكلام لا يتعلق بناحية واحدة من نواحي ومجالات حياتنا، بل بها جميعا بدرجات متفاوتة، ويشمل ذلك عاداتنا الاجتماعية والصحية وسلوكياتنا وتصرفاتنا اليومية في البيت والطريق وفي مكان العمل والجامعة والمدرسة والسوق وفي كل مكان، كما أنه يشمل عاداتنا الغذائية وعلاقاتنا مع أسرنا ومع جيراننا ومجتمعنا، وعادات النوم والأكل والمشي والقيادة وغيرها، كل هذه المجالات اتضح للجميع خلال هذه الجائحة ضرورة مراجعتها وتصويب ما يحتاج مراجعة منها من خلال المستفاد من الظروف التي فرضتها علينا كورونا سواء التوقف عن العمل أو منع التجول أو الكف عن السلام باليد والعناق والتزاحم في الأماكن والساحات والصالات ووسائل المواصلات وغير ذلك من الظروف، ولعل من اضطرارنا إلى عدم ممارسة الصلاة جماعة والذهاب إلى المساجد وإجراء حفلات الزواج الافتراضية أو دون مراسم.. لعل ذلك يكون واعظا لنا ودافعا إلى تقبل التغيير وضرورته. أما حجم التغير المطلوب وصورته في هذه الجوانب فلا أجد من المناسب أن يكون بناء على تصور شخصي لفرد من الأفراد مهما كانت صفته، ولكن ينبغي أن يقوم بذلك رأي عام يقوده مفكرون ومثقفون وذوات اجتماعية لديها الوعي والثقة والقدرة على المواءمة بين مصالح الناس والمجتمع والأفراد، وضرورة المحافظة على الصحة والأنفس وتجنب الأخطار التي قد تنتج عن استمرار بعض السلوكيات، وعدم إهمال أهمية وضرورة المحافظة على العادات الأصيلة، والتواصل والتراحم بين الناس، وكذلك الاستفادة من بعض الظواهر الإيجابية التي أفرزتها المرحلة ومنها الانضباط في تنفيذ تعليمات منع التجول والحجر الصحي والحرص على تعقيم الأشخاص في الأماكن العامة والاصطفاف في حالة الزحام مع المحافظة على التباعد بين الأشخاص بالمسافات المقررة لذلك، وعدم التنقل من غير ضرورة، والاهتمام أكثر بالنظافة الشخصية، وكذلك زيادة صور التكاتف الاجتماعي بين الأهل والجيران، والتعاون بين المواطنين وكافة الجهات الأمنية والخدمية في كل ما فيه المصلحة العامة للمواطن والوطن. أما الجانب الأهم من ذلك كله فهو يحتاج إلى مقال خاص للحديث عنه وهو اللجوء إلى الحلول الرقمية والإلكترونية في كل مناحي الحياة تقريبا بما في ذلك التعليم بكل مراحله من رياض الأطفال حتى المدرسة والجامعة، بل ومناقشة رسائل الدكتوراة والماجستير وغيرها.. إضافة إلى نفس الإجراءات في مجال الخدمات سواء الخدمات الحكومية أو الخدمات التي يقدمها القطاع الخاص، والتي ساهم في إنجاحها وتعظيم الاستفادة منها القرارات الحكومية العديدة التي سهلت القيام بكل الإجراءات التي تهم المواطن والمقيم من خلال المنافذ والمواقع والتطبيقات الإلكترونية المتاحة للجميع بما في ذلك التسوق، وإيصال الدواء، وتجديد الوثائق، والاجتماعات الافتراضية، وحتى المواعيد الطبية للمرضى مع أطبائهم من خلال الروابط والوسائط الإلكترونية، إضافة إلى أن اضطرار الجميع وحاجتهم إلى استخدام التقنية كشف عن طاقات وإمكانيات مخبوءة لدى الكثير من فئات المجتمع في استخدام التقنية وإتقان مهاراتها، كل ذلك ينبغي تطويره والاستفادة منها تأسيسا لمرحلة ما بعد كورونا.. ألم أقل لكم..

fahad_otaish@