قيل قديما «إذا رأيت الرجل يطيل الصمت فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة»، فالصمت رسالة إنصات للوجود، وقوة سحرية لا يستهان بها، وشعور فريد لا يتقنه الكثيرون، وحين تمارس الصمت فأنت تتواصل بالجوهر الساكن الذي في داخلك، حيث يمنحك الصمت فرصة الاتصال بحقيقتك الجوهرية والتناغم مع ذاتك الفطرية التي تقبع في سكون الصمت، فهناك تخيم السكينة الروحانية ذات الطبيعة القدسية، لأن لغو الكلام يهدر طاقتك ويلوث صفاء باطنك، وحين تتوقف عنه مدة ستستعيد سكينتك، وسيشحنك الصمت بطاقة روحانية تعيدك لحالة الصفاء الأولى الأصلية، فإذا لم يكن ذهنك مثقلا بخليط تافه من الصخب وكثرة الكلام ستنفتح حكمة الحياة أمامك، بعيدا عن الثرثرة الباطلة التي تغرقنا في فخ عبودية الذات وتراكم حجب الغرور، فنصاب بصمم روحي يجعلنا مستعبدين لضجيج العالم، وغير مؤهلين للدخول في علاقة مع داخلنا الشخصي، ولهذا أصبح الصمت تدريبا قاسيا يتحدى إنسان العصر أمام حاجته لاستعراض ذاته وتبريرها، ولشهوة اصطياد أخبار الغير بلا فائدة وإصدار الأحكام عليهم بلا رحمة، ولكن بواسطة الصمت واعتزال متعة الضجة، نتفادى خطايا اللسان ونفسح مكانا للإصغاء الباطني وتحفيز الإلهام الرباني في داخلنا، ولهذا فالخلوة الصامتة في قلب الصحراء لها تاريخ طويل لآلاف السنين في تاريخ جميع الأديان وتراث الحكمة الكونية، وكأن الصحراء الواقعية تفتح سبيلا مناسبا للصحراء الباطنة، فالصحراء في ذاتها لا توحي بأي تعاليم، لكن مواجهة الصمت والوحدة والفراغ هي اختبار للحقيقة ومواجهة لشجاعة النفس، وفي هذه الأيام المميزة نحن نمتلك نعمة كبيرة في ظل الأجواء الروحانية الرمضانية ولدينا فرصة رائعة للتجديد الروحي، فمن خلال تلاوة الورد القرآني اليومي، نقوم بإسكات الصخب الذهني، مما يهيئ شطآنا للصمت بين الآيات يتشرب المؤمن أثناءها روح المعاني ويتفكر فيها بعمق، فخلال فترات الصمت، يكون المخ حرا لاستكشاف مكانه ضمن عالمك الداخلي والخارجي، وبناء مسارات عصبية جديدة، مما يساعدك على التفكير في الأمور بعمق، واستيعابها من زوايا جديدة، ولهذا قيل «إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب»، وقد يكون جميلا لو مارسنا التدرب الرمضاني على الصمت كل يوم لساعة بداية، وتخصيص عزلة روحية يومية تختلي فيها بنفسك وتصفي قلبك وذهنك، فكر في الأمر وكأنه طقس رمضاني يومي لإعادة التواصل مع روحك وتغذيتها، وتحصيل المزيد من الطمأنينة الداخلية.
LamaAlghalayini@
LamaAlghalayini@