فارس المحيميد

قبل أيام تواصلت مع صديق قديم للحديث عن أحواله وأهله أثناء فترة حظر التجول، وفي خضّم حديثه زفّ لي خبراً سعيداً بأنه اشترى أرضاً وهو يجلس في صالة منزله المستأجر، عبر إحدى الخدمات التي تقدمها وزارة العدل وتحديداً خدمة نقل ملكية العقار إلكترونياً. وصديق آخر له قريب يعمل في مجال الأمن الدوائي في المملكة، أكدّ أن خط الإنتاج في مصنع قريبه بدأ عمله أثناء أزمة كورونا في تصنيع الكمامات لتغطية الاحتياج البالغ من المستهلكين، بعد أن تم أخذ التصاريح اللازمة في وقتٍ قياسي مع الأنظمة الإلكترونية في الهيئة العامة للغذاء والدواء. وشاهدنا عدد التطبيقات الإلكترونية الخدمية التي تم تدشينها بعد أزمة كورونا بالتعاون بين وزارة التجارة وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. علاوة على الجهود التي تقدمها وزارة الصحة بالاستفادة من التقنية الحديثة، في الكشف المبدئي عن فيروس كورونا وإيصال الأدوية للمنازل على سبيل المثال.

هذه تجارب عايشها مجتمعنا خلال الأيام الماضية والتي تشير إلى تفوق القطاعات الحكومية في المملكة، من خلال المنصات الإلكترونية والأنظمة الفاعلة في تسهيل الخدمات، حتى أن بعض القطاعات الحكومية تفوقت على كبرى شركات القطاع الخاص في سهولة ومرونة الخدمات.

هذا العمل المتقن الذي تقدمه القطاعات الحكومية جاء بعد جائحة عالمية مفاجئة، لم تعطهم الوقت الكافي لتنفيذ هذه الأنظمة العالية الجودة تقنياً وخدمياً. جعلت كل من كان يعتقد بأن نهج المملكة الرامي إلى الدعم الرقمي لم يكن ترفاً أو فرداً للعضلات، بل هو استشراف للمستقبل الذي يعد نوعاً من الفعل الإيجابي الذي قد تتأخر نتائجه، لكنه يسهم في التطور مسارعةً نحو المستقبل عبر آلياته وأدواته. وبمعنى عملي مفاده أن التقنية هي الاستثمار الأمثل، وأنها الرهان الذي لن يخذل من دعمه ومكّنه في القطاعات الحكومية وتحديداً الخدمية منها.

إن تلك الرؤية التي جسدتها المملكة عبر التحول الرقمي الذي سبق دولاً كبرى، لم يكن اجتهاداً شخصياً أو رؤية عابرة. وإنما كان استشرافاً للمستقبل عبر دراسات عميقة ورؤى مختلفة ترى بعين الخبير، كانت مخرجاته منصات تعتبر مثلاً في أصقاع العالم خدمةً وسرعةً وجودة، مثل منصة أبشر التي أصبحت نموذجاً يتم تنفيذه في دول أخرى. البعض يعتقد أن هذه مبالغة أو أنها من وحي الخيال، رغم أننا نرى السعوديين القاطنين في كبرى دول العالم يتحدثون بفخر أن هذا النظام وصل إلى أبعد نقطة، جعلت الآخرين يرونها أشبه بالسراب حتى أصابهم الإحباط.

كل ما وصلت إليه المملكة لم يجعلها تقف مكتوفة الأيدي في مواكبة التقدم، بل استمرت وكأنها تعيش في ريعان شبابها مع رؤية المملكة 2030 التي حقنت الروح والطموح من جديد. عبر ضخّ قيادات شابة في القطاعات الحكومية لزيادة تسارع التحول الرقمي، أخذت راية العمل والتنفيذ والإنجاز المتقن ممن سبقهم في خدمة هذا الوطن.

ما نلمسه في المملكة نجد الضد منه تماماً في أكثر دول العالم وأكبرها وأعرقها حضارة، إذ توقفت بعض الدول بشكل كامل جراء جائحة كورونا لأنها كانت ترى أن التحول الرقمي ليس أولوية، حتى أصابها الوهن والترهل ولم تستطع مقاومة واقعها وبكل حسرة أعلنت الاستسلام.

fares2232