د.نايف بن عيسى الشدي

بعيدًا عن التشنج الفكري.. والجدل البيزنطي مع شيء من التأمل لا التوتر فلسنا في تويتر...

هنا حديث خاطر مع يقين بالمخاطر ممن يضربون على وتر الضمائر بالترهيب ولا شيء غيره ليستسلم لهم الناس دون قيد أو شرط..

فبعد حديث وزير المالية هاجت عواصف من التحليلات والتكهنات الاقتصادية والدينية والفلسفية، وذلك رد فعل طبيعي ومتوقع، غير أَن ثمة جرفا خطيرا ووحلا غويرا يلزم الوقوف عنده وقفة متأمل لا متحيز، مع يقيني بأن هذا التوقف لن يُفهم كما ينبغي عند من لا يريد..

إذ يُتداول ربط عجيب بين تصريح وزير المالية: «بأننا مقبلون على مرحلة كساد ولابد من شد الأحزمة‏» لما أحدثه فيروس كورونا المستجد «كوفيد-١٩» وبين يقينية تحقق العقاب الإلهي للمملكة، وتختم تلك العبقرية بقوله تعالى: ﴿إن في ذلك لعبرة!!‏﴾ ليُحسم الجدل.

وبتلك الآية يُحكم مؤلف هذا الاستنتاج المذهل بقبضته على ضمائر الناس الصافية الصادقة.

غير أَن السنن الكونية والدلائل المنطقية والشرعية لا تعطي أحدا حق الحسم بذلك، بل يعد تأليا على الله -جل جلاله-، وكأن الوباء خاص بالمملكة دون غيرها، في حين أَن الكون كله بأعظم اقتصادياته وقواه وقدراته العلمية والطبية والصناعية من أقصى الكرة لأقصاها خارت قواهم أمام تلك الجائحة التي لم تنل منا إلا بعدما طافت العالم من حولنا...

وإذا كانت الأمور تقاس بهذه السطحية، فعليه تكون تايوان أطهر بقاع العالم وعلينا اتباع دينهم، فهي جارة الصين ونجت من الفيروس بنسبة ١٠٠٪؜، أو نعتبر نيوزيلاندا قبلة الناسكين لأنها كذلك سلمت وبرئت!

هنا يأتي التأول الأشد إثارة (بأنها جنتهم بالدنيا!!)، فإن كان الأمر كذلك فلماذا لم تكن تلك الجنّة إلا لهاتين الدولتين دون غيرهما؟.

إن شغف الترهيب والتهويل يحول دون استشعار رحمة الله -جل جلاله- الأعظم والأجل من أَن نضيقها في سم خِياط.

وإن سلّمنا بما سبق جدلًا، فهل يعد اجتياح الطاعون بعد فتح بيت المقدس! عقابا إلهيا لفتح المقدس مثلا؟.

‏﴿مالكم كيف تحكمون‏﴾!

بل حتى من يراه جندًا من جنود الله أخضع الدول العظمى قبل الصغرى- نقول له: كيف يكون جندا لله وهو يصيب المؤمنين والكافرين على حد سواء!!

وهل من الأدب نسبة الشر للباري «والشر ليس إليه» كما في الحديث...

فما هو إذن؟

بقليل من التروي مع اليقين برحمة الله التي وسعت كل شيء، يعود للمتأمل توازنه، ويدرك بأنه كارثة لاريب فيها وجائحة كونية أيًا كان سببها ومسببها، لحكمة إلهية، لتكون للكائنين على هذا الكون ومن خلفهم آية.

فلا يصح أَن نُقزم الكارثة الكونية في سبب أو حدث مهما كان أو بلغ...

ولنكن على ثقة برحمة الله ولطفه فلا يضيقها ضيّق أفق لا يحسن الظن بخالقه، ثم لنكن على مفاخرة بقيادة مملكتنا الحكيمة التي شهد العالم بأسره ألا مثيل لها في حماية شعبها وأولوية رعاية مواطنيها وساكنيها، وحتى من كان مخالفا لقوانينها.

ومع ذلك سنجد من ينكر ولا يقدر

﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ‏﴾ (الحج:٤٦)

@nayefcom