خالد السعيدي

(ت)

لكلِّ شخص منّا لحظاتٍ خاطفة، تتكرر بين فينة وأخرى، تلتقط فيها صوراً من الماضي تحنُّ لها، وتتراءى لك تفاصيلها:

( غ )

أنا ويوسف ومبارك،، كُنّا هِنا نجلس، في زاوية مليئة بالأمان، نعرف تفاصيل الشارع من حولنا. الشارع مُلكُنا، وكل شخصٍ غريبٍ يخضع للتحقيق والتفتيش، إن كان في أعمارنا، وإن تخطانا عُمْره تلحقه أعيننا ريبةً وشكّاً حتى يغادر، ليبقى الشارع بِفضلنا ينعمُ بالأمان. ودائماً لا نحرسه ليلاً، فأحاديث أمهاتنا ترعبنا عن الظلام وأشباحه.

( ر)

نحتفل مع كل بيتٍ في شارعنا، نرقص فرحاً لفرحهم، ونبكى لبكائهم، وكل البيوت كانت لنا فيها أمهات، يعتبروننا من أبنائهم، لا يفرقون بيننا، نشاركهم لقمة أكلهم، نفترش وسائدهم، ندخل ونخرج متى شئنا في النهار، نعرف تفاصيلهم حتى أسماء خالتهم وعماتهم.

(ي)

كانت بيوتنا آمنة، حتى لو أخطأنا، وحق علينا العقاب تحمينا الجدَّة، لأن الجميع يقول لها السمع والطاعة، ومسكين من لم تكن له جدّة.

( د )

طموحاتنا بسيطة أن نخرج لزاوية الشارع، لنستكشف الجديد، أحلامنا متواضعة جداً وأحياناً خجولة من ضيق الحال، لكننا كنّا سعداء جداً لأننا نتشارك في ألعابنا.

شوارعنا كانت نظيفة، لها رائحة عطرة وزكية، حتى الترب لا يؤذينا رغم مُكثنا أغلب النهار فيه ومع ذلك لا نتسخ منه، ولا يرهقنا غباره فصدورنا كانت سليمة.

( ا )

أفكارنا أحياناً شقيّة، لكنّها غير مؤذية، لأنها تكون مصدر بهجتنا، وأحاديثنا المستقبلية، إذا سهِرنا؛ ننتظر السحور في رمضان، لأن الليل يُرعبُنا فلا يجمعنا معاً إلا رمضان، وأحاديث موائدنا المليئة بكل أصناف البيوت والأمهات.

( ت )

هي: لحظات نبحث عنها، وعن تلك الصورة القديمة، ولا نخجل منها: حتى لو ملامحنا غيرتها قسوة السنين.

أنا / أنتَ / أنتِ: لا نبحث عن تلك الصورة فقط! بل نبحث عن ذلك الطفل السعيد الذي ملأت عينيه البراءة، وغير معني بهموم الكبار.

@kha9966