عبدالله الغنام

أصبح من المؤكد الفوائد الصحية للمجتمع مع امتداد أيام بقائنا في المنزل في فترة حظر التجول، ولكن تختلف ردة أفعالنا في استغلال أوقاتنا ما بين مفرط وحريص. ومع هذا البقاء (البيتوتي) وددت أن ننظر إليها من ناحية إيجابية بدلا من ارتداء النظارة السوداء!

ومن فوائد هذه العزلة المؤقتة في البيت أننا نستطيع أن نتأقلم معها على غير ما كنا نظن! وأن يشكل كل الإنسان منا جدوله الخاص به. والملاحظ حين تقل المساحة أو الإمكانيات أو الوسائل، فالتكييف مع الظروف الخاصة يجعل الإنسان يفكر خارج الصندوق، ويبتكر حلولا وأفكارا أخرى غير التي أعتاد عليها.

ومن أمثلة ذلك محاولة الابتعاد عن الجوال والتقنية ومواقع التواصل الاجتماعي (وخصوصا الأخبار السلبية والشائعات) لبعض الأوقات والانفراد بالنفس. ومن خلال التجربة وجدت أني أقضي وقتا أكثر راحة مع نفسي، وفترة أطول وأمتع بين الكتب وبدون تشويش أو انقطاعات، وأصبح التركيز في القراءة أعلى وأفضل. وكذلك وجدت أني غير ملزم بالرد مباشرة على كل تعليق أو استفسار أو مشاهدة المقاطع المرئية الكثيرة التي لا ينفك الناس يرسلونها ليلا ونهارا على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن الفوائد لهذه الفترة التي نعيش قضاء وقت أطول مع العائلة وخصوصا الأبناء، والاطلاع أكثر على أفكارهم، وربما أيضا اكتشاف المواهب التي كانت مدفونة، ومعرفة جوانب أخرى في شخصياتهم ربما لم نلاحظها بسبب انشغالنا بجوانب أخرى في الحياة.

ولعل رمضان والبقاء في البيت يضيف لمسة روحانية للمنزل حين يصلي أفراد العائلة مع بعضهم البعض كنوع من الارتباط الوجداني والروحي. وفيه تعليم وتهذيب لأنفسنا ولهم بأداء الصلوات التي كنا للأسف نتكاسل عنها أو نجعلها متأخرة في جدول أولوياتنا! ويكفي في هذا الجانب قوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي».

ومن المؤكد أنه صار الآن لدينا المتسع من الوقت حيث كانت أوقاتنا في السابق تضيع في الانتظار في المحلات والأسواق والمتاجر والصالونات والمقاهي، بالإضافة إلى طول الانتظار في زحام الطرقات خصوصا خلال عطلة نهاية الأسبوع أو في المواسم كرمضان (وبالأخص في العشر الأواخر منه).

وأعتقد أن بقاءنا في المنازل أعطانا فرصة للتفكير بدون ضجيج الحياة الصاخبة، وأن كثيرا من المشاغل التي كنا نقوم بها لم تكن فعلا ضرورية!، بل ممكن التخلص منها أو نسيانها لأنها لم تؤثر علينا مع طول فترة الابتعاد عنها.

ونقطة قد أكون تطرقت لها من قبل، ولكن أريد التأكيد عليها وخصوصا في رمضان حيث أثبت الواقع الآن أننا لا نحتاج إلى كل تلك الأصناف الطويلة والكثيرة على المائدة، وأثبتنا كذلك أننا كنا نبالغ جدا حين نتسوق لرمضان بأنواع المأكولات والمشروبات. فالقليل وعدم الإسراف والتوازن في المائدة الرمضانية كان وسيظل يكفينا عن كثرة الزخرفة للمائدة بالطعام لأن المقصد المنطقي هو الاجتماع العائلي على الفطور والسحور وليس الأكل بحد ذاته، فالبطنة تذهب الفطنة!

ومن الفوائد أننا وجدنا طرقا كثيرة لقضاء حوائجنا وأعمالنا بشكل مختلف وبوسائل أكثر اقتصادية. وأوجدنا البدائل في طرق التوصيل أو العمل عن بعد أو عقد الاجتماعات عن طريق الإنترنت بوسائل متعددة، وقد أثبتت تلك الطرق والوسائل فعاليتها ونجاحها.

وهي كذلك فرصة ذهبية لمن أراد التخلص من أصدقاء سيئين وملازمين له طوال الوقت ويشكلون عثرة أو سلبيين أو يحملون فكرا هداما وسوداويا. فالتخلص منهم اليوم أصبح ممكنا بالبعد عنهم وعدم الالتقاء بهم، وهي غنيمة للخروج من دائرة الإحباط والسلبية إلى عالم أرحب وأكثر إيجابية. وصدق من قال: الصاحب ساحب. وقيل أيضا: إن في العزلة راحة من أخلاط السوء.

ومن جماليات هذه الأزمات هي الذكريات والقصص التي ستبقى مع أبنائنا، يروونها لمن بعدهم بأننا عشنا يوما كأسرة واحدة.

توتير abdullaghannam@

abdullaghannam@