فارس المحيميد

في الثالث والعشرين من مارس الماضي، بدأ منع التجول في السعودية للمساهمة في الحد من ظاهرة انتشار فيروس كورونا، ومنذ ذلك التاريخ فإن البقاء في المنزل كان شعاراً رئيسياً للمجتمع السعودي بأكمله. هذا الأمر فرض على الآباء والأمهات الجلوس مع أبنائهم ساعاتٍ أطول، ومتابعة دروسهم عن بعد مع المدارس والمعلمين والمعلمات، وأصبحت الساعات التي كان يقضيها الأبناء في مدارسهم تحت مسؤولية الوالدين.

هذه المهمة أصبحت ثقيلة على كاهلهم، وأصابهم التعب والإرهاق من متابعة الأبناء أوقات أكثر من المعدل اليومي، وهي المهمة التي كان يتصدى لها ويتشارك فيها المعلمون والمعلمات في المدارس. يخرج الابن من منزل أهله صباحاً يمشي على عجل لأن معلمه سيبدأ يومه الدراسي، وتعود البنت إلى بيتها ظهراً بعد أن يفرغ المعلمات من انتظار انصراف الطالبات إلى بيوتهن.

بين دخول الطلاب والطالبات وخروجهم، ساعات مليئة بالعمل والاجتهاد في الشرح وإيصال المعلومات وتفنيد التساؤلات، تتطلب حضوراً ذهنياً مكتملاً طوال الوقت حتى يستطيع الكادر التعليمي تنفيذ رسالته بما يرضي ضميره. هذا فقط ما يتعلّق في الجانب التعليمي، أما ذلك الجانب الآخر والعميق جداً والذي يحتاج إلى إنسانية وأمانة، أعني هنا الدور التربوي الذي يلعبه المعلم والمعلمة أمام طلابهم، حتى يكونوا قادرين على صناعة أجيال إيجابية تصنع الفارق الكبير في الوطن.

المهمة التي ذاقها الأب والأم في فترة الحظر كانت كفيلة في زيادة الإيمان بدور المعلمين والمعلمات، وأكدّ أن التعليم مهنة عظيمة مهما تكلّم الفرد عن أثرها وما يترتب على ذلك من صعوبات ومسؤوليات، لن يفيها حقها ولا حق العاملين في الكادر التعليمي، الذين يكرسون جهدهم في صناعة السواعد والعقول.

قبل عامين، في إحدى زوايا مطار الملك عبدالعزيز بجدة وجدت رجلا وقوراً يشرب قهوته، جذبني من بعيد ملامحه التي حرّكت شعوراً داخلياً غريباً لديّ. استرجعت ذكريات قديمة، وتذكرت أنه معلمي للغة العربية في الصف الخامس قبل أكثر من عشرين عاماً. ذهبت إليه، وقبّلت رأسه وشكرته على ما أضاف لي في حياتي وما زلت أعيش عليها. شعور جعلني طوال رحلتي من جدة إلى الرياض أعيد ذكرياتي القديمة مع المعلمين الذين كان لهم بصمات في حياتي، وأكتشف أنه حتى ذلك الذي كان يعاملنا بقسوة أكثر من غيره، له هدف في أن نكون أقوياء في حياتنا ونعلم حجم المصاعب التي تواجه كل فرد في حياته.

هذا شعور ينتاب أي رجل أو امرأة يرى من علّمه أساسيات الحياة، يكفي أن تلك المعارف ما زالت تعيش معنا كل يوم بل مع كل ساعة فيها نتنفس. بين فترة وأخرى نستمع لقصة أحدهم قابل معلمه فحكى له عن وظيفته الحالية ودور المعلم في الوصول إليها، أو امرأة تشكر معلمتها على الحوافز النفسية التي جعلتها تكمل مسيرتها التعليمية حتى الدكتوراه.

هنا أقدم رسالة إلى كل معلمٍ ومعلمة: نعلم أن العمل الذي تقومون به عميق الرسالة والأثر، وعظيم الجهد بتحقيق الجانبين التعليمي والتربوي لنا. ومخرجاتكم لا تحتاج إلى شرحٍ وإيضاح، الوزير ورجل الأمن والطبيب والمهندس ومجتمع بأكمله قام بسواعدكم وعقولكم. كل كلمات الشكر تنفد أمامكم، وعاجزة أن تصل بما في قلوبنا تجاهكم. وهنيئاً لكم أن رزقكم الله الصبر والاحتساب في صناعة مجتمع، يهدف إلى رفعة وطن نحو عنان السماء.

fares2232