الصورة المأساوية للمواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد وهو مقيد على الأرض وقدم الشرطي الأمريكي تضغط على رقبته، وهو يصرخ «لا أستطيع التنفس» لا تعبر عن حالة استثنائية في العنف المفرط للشرطة، بل هي القاعدة ضد أصحاب البشرة السوداء في أمريكا مدفوعة بالحقد والتمييز العنصري. فهناك حوادث مماثلة تورط فيها عناصر من الشرطة انتهت إلى العنف المفضي إلى الموت لضحايا أغلبهم من المواطنين ذوي الأصول الأفريقية. إيريك جارنر (44 عاما) قتل خنقا من طرف شرطة نيويورك عام 2014 بعد أن ردد عبارة «لا أستطيع التنفس» إحدى عشرة مرة، وقاتله لم يقدم للمحاكمة.
مايكل بروان (18 عاما) قتل في ولاية ميزوري الأمريكية في أغسطس 2014 بعد إطلاق النار عليه ست مرات بتهمة سرقة علبة سجائر، وعلى إثرها خرجت تظاهرات عديدة في نيويورك وشيكاغو والعاصمة واشنطن. الطفل تامير رايس (12) قتله شرطي من كيفلاند وكان ممسكا دمية على هيئة سلاح. جون كروفورد (22) قتل على يد شرطي داخل سوبرماركت في أوهايو بينما كان يلعب بلعبة، السلطات لم تجد ضرورة لمحاكمته. وفي 13 مارس الماضي قتلت عناصر من الشرطة في ولاية كنتاكي مسعفة ذات بشرة سوداء (بريوتا تايلور) بعد مداهمة شقتها وإطلاق ثماني رصاصات عليها، والتهمة مجرد شبهة تتعلق بالشخص الذي كان يقطن الشقة قبلها. ولم تثر هذه القضية الصحافة أو الإعلام.
هذه مجرد عينات وإلا الحوادث لا تعد ولا تحصى، خصوصا في السنوات الأخيرة مع صعود اليمين المتطرف ووصول ترامب للبيت الأبيض. فوفق تقارير عديدة جميعها تشير إلى أن الشرطة الأمريكية - على سبيل المثال- قتلت 102 مواطن أمريكي من أصول أفريقية عام 2015م.
ووفق صحيفة وول ستريت جورنال التي ركزت على التمييز العنصري فيما يخص الالتحاق بمؤسسات الشرطة فإنها أشارت إلى أن عددا ضئيلا جدا من المواطنين السود يسمح لهم أن ينضموا لفرق الشرطة الأمريكية، وإذا ما تم قبول هؤلاء البعض تجرى لهم اختبارات معقدة ومنفرة حتى لا يتمكنوا من تجاوزها. بل كشفوا عن عنصرية مقيتة تتركز على تدريب الشرطة على حمل السلاح والرمي به من خلال صور لرجال سود توضع على حوامل التدريب.
وقد أجرت صحيفة (واشنطن بوست) دراسة أثبتت أن الشرطة الأمريكية قتلت نحو ألف مدني أمريكي خلال العام الجاري 40 بالمائة منهم كانوا من البشرة السوداء وغير مسلحين.
لكن مقتل جورج فلويد هو الشرارة التي أطلقت مارد الغضب من قمقمه، وانفجر في شكل مظاهرات تخللتها أعمال شغب وتخريب في مناظر لا تراها عادة إلا في مدن العالم الثالث أو كما كان يريد الإعلام الغربي أن يصورها في أذهاننا على أنها لا تحدث عنده بالمطلق. والسؤال: هل وصلت الديمقراطية في أمريكا إلى نوع من التصلب المفضي إلى الانكسار؟
المؤرخ والسياسي الفرنسي (توكفيل) صاحب أشهر كتاب عن الديمقراطية في أمريكا. كتب ملاحظاته ودونها عندما كان سفيرا لبلاده (1835- 1840)، ومن جملة ما دونه أن فرادة الديمقراطية الأمريكية وتمايزها عن الديمقراطيات الغربية أنها قامت على النموذج الليبرالي بامتياز وفق عوامل ثلاثة: الوضع الجغرافي والتاريخي الخاص، والقوانين والعادات والأخلاق، فعدم توافر جيران ملاصقين للأراضي الأمريكية بحيث لا يشكلون قلقا تحت مسميات العداء أو الحروب مع وفرة أراضيها الشاسعة أعطاها ميزة. وكذلك يلاحظ أن المصالح ذات الطابع اليومي هي التي تقود التجمعات الحزبية السياسية وليست القيم الأيديولوجية كما في أوروبا، وأن طابع الحرية والمساواة المتميزة به هذه الديمقراطية مستمد من أصولها الدينية. الآن حرية بلا مساواة بسبب مفاعيل الرأسمالية الليبرالية، وهذا ما تعمل على تبيان مساوئه وتفكيكه في إطار نظرية ما بعد الاستعمار، وجل أصحابها - وياللمفارقة- خرجوا من الجامعات الأمريكية وأغلبهم من البشرة السمراء أو السوداء أو من العالم الثالث.
وهذا في ظني له دلالة كبرى لا تنزاح عن القول: رغم المساوئ والتناقضات تظل التجربة الديمقراطية الأمريكية هي أفضل الموجود.
@MohammedAlHerz3
مايكل بروان (18 عاما) قتل في ولاية ميزوري الأمريكية في أغسطس 2014 بعد إطلاق النار عليه ست مرات بتهمة سرقة علبة سجائر، وعلى إثرها خرجت تظاهرات عديدة في نيويورك وشيكاغو والعاصمة واشنطن. الطفل تامير رايس (12) قتله شرطي من كيفلاند وكان ممسكا دمية على هيئة سلاح. جون كروفورد (22) قتل على يد شرطي داخل سوبرماركت في أوهايو بينما كان يلعب بلعبة، السلطات لم تجد ضرورة لمحاكمته. وفي 13 مارس الماضي قتلت عناصر من الشرطة في ولاية كنتاكي مسعفة ذات بشرة سوداء (بريوتا تايلور) بعد مداهمة شقتها وإطلاق ثماني رصاصات عليها، والتهمة مجرد شبهة تتعلق بالشخص الذي كان يقطن الشقة قبلها. ولم تثر هذه القضية الصحافة أو الإعلام.
هذه مجرد عينات وإلا الحوادث لا تعد ولا تحصى، خصوصا في السنوات الأخيرة مع صعود اليمين المتطرف ووصول ترامب للبيت الأبيض. فوفق تقارير عديدة جميعها تشير إلى أن الشرطة الأمريكية - على سبيل المثال- قتلت 102 مواطن أمريكي من أصول أفريقية عام 2015م.
ووفق صحيفة وول ستريت جورنال التي ركزت على التمييز العنصري فيما يخص الالتحاق بمؤسسات الشرطة فإنها أشارت إلى أن عددا ضئيلا جدا من المواطنين السود يسمح لهم أن ينضموا لفرق الشرطة الأمريكية، وإذا ما تم قبول هؤلاء البعض تجرى لهم اختبارات معقدة ومنفرة حتى لا يتمكنوا من تجاوزها. بل كشفوا عن عنصرية مقيتة تتركز على تدريب الشرطة على حمل السلاح والرمي به من خلال صور لرجال سود توضع على حوامل التدريب.
وقد أجرت صحيفة (واشنطن بوست) دراسة أثبتت أن الشرطة الأمريكية قتلت نحو ألف مدني أمريكي خلال العام الجاري 40 بالمائة منهم كانوا من البشرة السوداء وغير مسلحين.
لكن مقتل جورج فلويد هو الشرارة التي أطلقت مارد الغضب من قمقمه، وانفجر في شكل مظاهرات تخللتها أعمال شغب وتخريب في مناظر لا تراها عادة إلا في مدن العالم الثالث أو كما كان يريد الإعلام الغربي أن يصورها في أذهاننا على أنها لا تحدث عنده بالمطلق. والسؤال: هل وصلت الديمقراطية في أمريكا إلى نوع من التصلب المفضي إلى الانكسار؟
المؤرخ والسياسي الفرنسي (توكفيل) صاحب أشهر كتاب عن الديمقراطية في أمريكا. كتب ملاحظاته ودونها عندما كان سفيرا لبلاده (1835- 1840)، ومن جملة ما دونه أن فرادة الديمقراطية الأمريكية وتمايزها عن الديمقراطيات الغربية أنها قامت على النموذج الليبرالي بامتياز وفق عوامل ثلاثة: الوضع الجغرافي والتاريخي الخاص، والقوانين والعادات والأخلاق، فعدم توافر جيران ملاصقين للأراضي الأمريكية بحيث لا يشكلون قلقا تحت مسميات العداء أو الحروب مع وفرة أراضيها الشاسعة أعطاها ميزة. وكذلك يلاحظ أن المصالح ذات الطابع اليومي هي التي تقود التجمعات الحزبية السياسية وليست القيم الأيديولوجية كما في أوروبا، وأن طابع الحرية والمساواة المتميزة به هذه الديمقراطية مستمد من أصولها الدينية. الآن حرية بلا مساواة بسبب مفاعيل الرأسمالية الليبرالية، وهذا ما تعمل على تبيان مساوئه وتفكيكه في إطار نظرية ما بعد الاستعمار، وجل أصحابها - وياللمفارقة- خرجوا من الجامعات الأمريكية وأغلبهم من البشرة السمراء أو السوداء أو من العالم الثالث.
وهذا في ظني له دلالة كبرى لا تنزاح عن القول: رغم المساوئ والتناقضات تظل التجربة الديمقراطية الأمريكية هي أفضل الموجود.
@MohammedAlHerz3