كثير من الناس في كل بقاع العالم يتحدثون خلال هذه الفترة عن قضية تشترك فيها أغلب أمم الأرض، وتتمثل في مقولة: وماذا بعد كورونا؟ كيف سيكون العالم بعد انتهاء حقبة هذه الجائحة؟ هل سنعود إلى أوضاعنا السابقة، وتعوض بعض البلدان خسائرها الاقتصادية، وتترحم على موتاها، وتبدأ الحياة من جديد، أم أن حقبة جديدة قد بدأت، وهي لا تشبه سابقاتها؟
أياً كانت الأوضاع والنتائج بعد أشهر أو عدة سنوات، فإن الحياة مستمرة، ولن تبقى عجلة دورانها واقفة على الإطلاق. فهذه السنة المشؤومة في نظر كثير من البشر (سنة 2020م) قد طبعت تاريخ الكرة الأرضية بطابعها؛ فتغير الشكل الحضاري لأغلب فئات البشر، وتغيرت طبيعة الأعمال وطرق التعامل مع الأشياء ومع الناس. كما تغيرت حياة الناس الاجتماعية، وعلاقاتهم الأسرية وارتباطات الصداقات بما كان يميزها من زيارات مباشرة ولقاءات ود في أجواء حميمية، ليستبدل بها تواصل هاتفي أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى كل ذلك، أصبح يسيطر على كثير من الناس هاجس الخوف من الإصابة بالعدوى، وازدادت عوامل القلق على الأطفال وكبار السن، إلى غير ذلك من المتغيرات، التي باغتت أمم الأرض جميعاً خلال فترة وجيزة جداً. فماذا بعد كل ذلك؟!
بيد أن هذا التفرّق والتمزق، الذي ينذر لدى بعض الناس بدمار قد أوشك على الوقوع، إنما يبشر لدى البعض الآخر بحل لخيوط العالم بوضعه الذي كان سائداً، وإعادة نسجها مرة أخرى، على أساس من نظرة إنسانية شاملة، تلتئم فيها فاعليات الإنسان وأوجه نشاطه في وحدة مؤتلفة العناصر. فقد كان ماكينزي -على سبيل المثال- يرى أن الحرب العظمى ينبغي أن تكون معْلَماً على بداية حقبة جديدة شعارها هو «إعادة البناء»؛ فإن ما تخلّف عن تلك الكارثة من حطام يتطلب إعادة البناء والتجديد. وهي بذلك تهيئ مصدراً يزودنا بالجلَد والحماس في الجهد المبذول لإعادة البناء.
فإذا كان ثمة خطر يتهدد عالم الإنسان وحياته، وأزمة تكاد تخنق وجوده، فإنها لا تحلّ بمجرد مزيد من التطور في العلم والتكنولوجيا، لأن هذا التطور نفسه يدخل ضمن أسباب الأزمة، كما لا تُحل بمواقف سياسية معينة، لأنها أزمة تتصل بمعنى الحياة الإنسانية ذاتها، ومن ثم فهي تنشد من المفكرين أن يقدموا عوناً كبيراً. فهم، من خلال استقرائهم لتجارب الأمم والحضارات السابقة في التاريخ، يستطيعون تلمّس الطريق الأكثر إضاءة والأقل وعورة.
وربما نكون في مرحلة «إعادة بناء الحضارة الحديثة» خلال هذا العام، وهي القضية التي أريد أن أستثمرها في لفت النظر إلى أن دول العشرين -وقد تكون الفرصة التاريخية سانحة لنا بسبب ترؤس السعودية للمجموعة خلال هذا العام- قادرة على أن تطرح رؤية خاصة لصورة العالم بعد هذه الجائحة، بعيداً عن الصراع السياسي والتجاري، الذي تمارسه القوى الكبرى قبل وأثناء هذه الأزمة الكبرى. فهل نقتنص الفرصة، ونقدم لهذا الجمع العالمي ورقة فكرية تدعو إلى مجتمع دولي ناصع البياض؟ طبعاً لا أدعي أن مثل هذه المؤتمرات تستقبل برحابة صدر أفكاراً مثالية، وربما لا تدعمها آليات تنفيذ قوية، لكنها حتى إن لم يتم تبنيها، فإنها ستترك عنا صورة يخلّدها التاريخ، بأن دولة من خارج الدول الصناعية السبع الكبرى قدمت لدى استضافة المجموعة أفكاراً خارج الأقواس.
falehajmi@
أياً كانت الأوضاع والنتائج بعد أشهر أو عدة سنوات، فإن الحياة مستمرة، ولن تبقى عجلة دورانها واقفة على الإطلاق. فهذه السنة المشؤومة في نظر كثير من البشر (سنة 2020م) قد طبعت تاريخ الكرة الأرضية بطابعها؛ فتغير الشكل الحضاري لأغلب فئات البشر، وتغيرت طبيعة الأعمال وطرق التعامل مع الأشياء ومع الناس. كما تغيرت حياة الناس الاجتماعية، وعلاقاتهم الأسرية وارتباطات الصداقات بما كان يميزها من زيارات مباشرة ولقاءات ود في أجواء حميمية، ليستبدل بها تواصل هاتفي أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. إضافة إلى كل ذلك، أصبح يسيطر على كثير من الناس هاجس الخوف من الإصابة بالعدوى، وازدادت عوامل القلق على الأطفال وكبار السن، إلى غير ذلك من المتغيرات، التي باغتت أمم الأرض جميعاً خلال فترة وجيزة جداً. فماذا بعد كل ذلك؟!
بيد أن هذا التفرّق والتمزق، الذي ينذر لدى بعض الناس بدمار قد أوشك على الوقوع، إنما يبشر لدى البعض الآخر بحل لخيوط العالم بوضعه الذي كان سائداً، وإعادة نسجها مرة أخرى، على أساس من نظرة إنسانية شاملة، تلتئم فيها فاعليات الإنسان وأوجه نشاطه في وحدة مؤتلفة العناصر. فقد كان ماكينزي -على سبيل المثال- يرى أن الحرب العظمى ينبغي أن تكون معْلَماً على بداية حقبة جديدة شعارها هو «إعادة البناء»؛ فإن ما تخلّف عن تلك الكارثة من حطام يتطلب إعادة البناء والتجديد. وهي بذلك تهيئ مصدراً يزودنا بالجلَد والحماس في الجهد المبذول لإعادة البناء.
فإذا كان ثمة خطر يتهدد عالم الإنسان وحياته، وأزمة تكاد تخنق وجوده، فإنها لا تحلّ بمجرد مزيد من التطور في العلم والتكنولوجيا، لأن هذا التطور نفسه يدخل ضمن أسباب الأزمة، كما لا تُحل بمواقف سياسية معينة، لأنها أزمة تتصل بمعنى الحياة الإنسانية ذاتها، ومن ثم فهي تنشد من المفكرين أن يقدموا عوناً كبيراً. فهم، من خلال استقرائهم لتجارب الأمم والحضارات السابقة في التاريخ، يستطيعون تلمّس الطريق الأكثر إضاءة والأقل وعورة.
وربما نكون في مرحلة «إعادة بناء الحضارة الحديثة» خلال هذا العام، وهي القضية التي أريد أن أستثمرها في لفت النظر إلى أن دول العشرين -وقد تكون الفرصة التاريخية سانحة لنا بسبب ترؤس السعودية للمجموعة خلال هذا العام- قادرة على أن تطرح رؤية خاصة لصورة العالم بعد هذه الجائحة، بعيداً عن الصراع السياسي والتجاري، الذي تمارسه القوى الكبرى قبل وأثناء هذه الأزمة الكبرى. فهل نقتنص الفرصة، ونقدم لهذا الجمع العالمي ورقة فكرية تدعو إلى مجتمع دولي ناصع البياض؟ طبعاً لا أدعي أن مثل هذه المؤتمرات تستقبل برحابة صدر أفكاراً مثالية، وربما لا تدعمها آليات تنفيذ قوية، لكنها حتى إن لم يتم تبنيها، فإنها ستترك عنا صورة يخلّدها التاريخ، بأن دولة من خارج الدول الصناعية السبع الكبرى قدمت لدى استضافة المجموعة أفكاراً خارج الأقواس.
falehajmi@