د. محمد حامد الغامدي

- من ثمانينيات القرن الماضي، وحديثي في أمر المياه والزراعة والبيئة لم ينقطع. فالنتائج السلبية مع تراكمها وتجددها توحي وتقول. تفرض نفسها ومؤشراتها. الأفعال ومعطياتها تتناقض مع النظريات العلمية. أيضا مع إمكانيات وقدرات حقائق الواقع البيئي.

- إلى متى تقود الاجتهادات أعمالنا، وطموحاتنا، وهمّتنا؟ هل يليق هذا بعقولنا العلمية؟ هل يناسب قوة وضعنا وإمكانياته؟ نحن أمة عظيمة. يجب أن نكون كذلك بالعلم. بحكمة التصرف الرشيد لإدارة مواردنا.

- الاجتهادات تتفاقم. تتبدل. وتتجدد في غياب الاستراتيجية الزراعية منذ تأسيس وزارة البيئة والمياه والزراعة عام (1954م)، لماذا؟ وقد نبهت عن خطورة غيابها قبل ثلاثة عقود. أيضا يجب أن توضع بحذر شديد وفق إجابة سؤال واحد. ولأهميته سأفرد له مقالا يليق بأهميته وموضوعه.

- ضحّينا في غياب الاستراتيجية الزراعية بالمناطق الزراعية التقليدية التاريخية. ضحّينا بالأسر الزراعية. وكانت تحمل التاريخ الزراعي التراكمي، وأسرار نجاح استدامته. ضحّينا بالخبرات، وبالتراث المهاري الزراعي، والمائي، والبيئي الممتد من قرون. كان يمكن تطويره، وتنميته، والاعتماد عليه. كان يمكن تقديمه للعالم كنموذج لحل مشاكل الماء والغذاء والبيئة.

- أهملنا وتخطينا وتجاهلنا تراثنا المهاري البيئي والمائي والزراعي. ثم ذهبنا نبحث عند الآخرين عن حلول وبدائل وخبرات، أخجل من رؤيتها وتطبيقها في بيئتنا، لعمق تخلفها، ولعدم مناسبتها. كأن وجودنا على أرضنا نكرة. كأن خبراتنا المهارية تخلّف. وجودنا أيها السّادة، في وزارة البيئة والمياه والزراعة، لم يكن وجودا عشوائيا. إن تراثنا المهاري المائي والزراعي والبيئي.. علم نافع.. وليس تخلّفا. أفيقوا.. ما زالت هناك نافذة أمل.

- أتساءل ببراءة. لكن بمرارة: لماذا التناقضات؟ لماذا أصبحت التناقضات منهجا لا يتم استنكاره؟ لماذا لم نستوعب الدرس؟ وقد فتحنا الباب على مصراعيه، فيما مضى، أمام منظومة بعيدة عن الزراعة.. للاستثمار في الزراعة. هل كان ذلك من أجل الاستحواذ على أموال خصصتها الدولة -حفظها الله وأيدها- للقطاع الزراعي؟ لماذا سادت الشركات والمؤسسات الزراعية ونفوذ رجال الأعمال، والمتنفذين، والموظفين، على حساب المزارعين؟ أليست هناك نهاية لهذا؟

- أكرر.. إن دخولهم المجال الزراعي كان بهدف الاستحواذ على الموارد المالية المخصصة للمزارع في الريف، ولصياد الثروة المائية، ولمربي الماشية بالوطن. لكن تحول رجال الأعمال والموظفون في سجلات الوزارة إلى مزارعين، استأثروا بكل الإمكانيات. فلماذا نعيد التاريخ؟

- هكذا ظل المزارع الذي يمتهن الزراعة خارج لعبة الاستثمار الزراعي. كنتيجة سادت العشوائية وتفشت كالمرض. كان ذلك على حساب مياهنا الجوفية، وعلى حساب الأسر الزراعية التقليدية التي كانت سائدة عبر التاريخ. خاصة في مناطق الدرع العربي، موطن الريف الواسع. فكانت الهجرة الجماعية إلى المدن للبحث عن حياة أفضل.

- الحقائق تؤكد أنه بعد توقف أسعار الضمان، توقف هؤلاء المستثمرون عن مواصلة الاستثمار في المجال الزراعي. خاصة زراعة القمح والشعير في مناطق الصخور الرسوبية. ثم بدأنا في استيراد الحنطة لتوفير كسرة الخبز. السؤال: أليس هناك مناطق أخرى، في مناطق الدرع العربي، مؤهلة لزراعة القمح، وغيره من الحبوب؟ زراعتها على مياه الأمطار. حيث نشاطها الزراعي التقليدي التاريخي المستدام. لماذا تجاهل الزراعة المطرية لهذه المناطق؟

- أيضا لماذا أسسنا للزراعة الخارجية، قبل وضع استراتيجية زراعية، تحدد إمكانيات كل منطقة إدارية؟ لماذا ننفق الأموال في زراعات لا نملكها؟ (لها مقال قادم). استمرار التناقضات يثير التساؤلات. يعمّق جروح أخطاء اجتهادات وزارة البيئة والمياه والزراعة. الجهة المسؤولة عن مستقبل الأمن المائي ومستقبل الأمن الغذائي.

- لماذا نطارد السراب، ونكذب على أنفسنا، ونخدع واقعنا وأجيالنا؟ لماذا نستنزف مواردنا المائية، ونفرط في قدراتنا الزراعية، ونتجاهل الحقائق البيئية، ثم نبحث عند الآخرين عن البدائل بأغلى الأثمان؟

mgh7m@yahoo.com