د. شلاش الضبعان

ذكر الأديب الجاحظ في كتابه الحيوان: حدثني أبان بن عثمان قال: قال ابن أبي ليلى: إني لأساير رجلا من وجوه أهل الشام، إذ مر بحمال معه رمان، فتناول منه رمانة فجعلها في كمه، فعجبت من ذلك، ثم رجعت إلى نفسي وكذبت بصري، حتى مر بسائل فقير، فأخرجها فناوله إياها، قال: فعلمت أني رأيتها فقلت له: رأيتك قد فعلت عجبا، قال: وما هو؟ قلت: رأيتك أخذت رمانة من حمال وأعطيتها سائلا؟ قال: وإنك ممن يقول هذا القول؟ أما علمت أني أخذتها وكانت سيئة وأعطيتها فكانت عشر حسنات؟ قال: فقال ابن أبي ليلى: أما علمت أنك أخذتها فكانت سيئة وأعطيتها فلم تقبل منك؟

جماعة أبو رمانة من مطبعي الفساد متواجدون في زماننا وللأسف، يرتكبون الموبقات ويريدون من الناس أن تقتنع أنهم بموبقاتهم يكسبون عشر حسنات.

هؤلاء المطبعون يسيرون بمسارين:

مسار يرى وقوعه في الفساد طبيعيا لأنه يفعل الخير، والمشكلة حتى الخير الذي يفعله، لا يقوم به إلا مقابل مصلحة، فيرى من صلة الرحم والقضاء على البطالة أن ينفع معارفه وأحبابه وأقاربه من أموال الدولة، فالحكمة الموظفة توظيفا سيئا تقول: «من ليس فيه خير لجماعته لا خير فيه لأحد»، رغم أنه لو فكر قليلا لأدرك أن صلة رحمه ونفع بمعارفه كان الأولى أن يطبقها في ماله ومال أبيه، لا في المال العام الذي سيقف أمامه كل من له حق فيه كخصم، وأعانه الله على ذلك.

جماعة المسار الآخر يرون أن فسادهم طبيعي لأن غيرهم يفعل الفساد، ففسادهم مبرر لأنهم لم يأخذوا إلا الجزء الأصغر من الكعكة أو الخروف، وتساهلهم في أعمالهم مبرر لأنه لم يجدوا التقدير الذي يستحقوه، وتعامل أحدهم بخبث وكذب وأساليب ملتوية مبرر لأن من أمامه يسلكون نفس الطرق.

أيا كانت المبررات على مطبع الفساد أن يسعى في تحرير نفسه من مستنقع الفساد، فمهما عمل من خير وهو في المستنقع، سيظل هذا الخير ملوثا، والتاريخ لا يرحم والديان لا يموت.

shlash2020@