بديعة إبراهيم

إننا نبدأ أطفالا ولا ندرك كيف بدأنا، تلتقط أعيننا صغائر الأمور ونبدأ بتقبل طعام وترك آخر بعدما كنا لا نستقبل سوى الحليب، ثم نزور المدرسة في أولى خطواتنا ونتساءل عن وجود الأشياء وأشكال الأقلام وكيف يبدو اللون الأصفر ومن ماذا صنعت المنضدة، ولماذا نسير من هذا المنعطف، تساؤلات عدة تتساقط من لوح شفاف يرتكز على طوبة من -الفضول- طوبة تشرع أعيننا على كل قابع وناهض، الفضول الذي يرمينا سعيا إلى المعرفة.

إلى القدرة على تفسير معلومات وتفصيل الرؤى والتحديق في الأشياء، إنها المعرفة التي تبدو عالما من التساؤلات، عالما لا ينحني على مر الأزمات.

إننا نولد على نوع من الفضول ونحاول استكشاف ما حولنا بفطرتنا الوديعة، ثم ننتبه إلى الطبيعة لتعطينا فرصة كاملة للتأمل وتشكيل كمية عارمة من الأيقونات في أذهاننا، وهذا ما يشبه الفلسفة بشكل عام إنها مبنية على التحديق بشراسة هادئة نحو الأشياء الظاهرية، وتبني رؤية متسعة في جوانب فسيحة للأمور، وخلال هذه المرحلة يستطيع المرء خلق نظريات وبصريات خاصة له.

ولا ننسى ما نشهده حاليا من توسع طرق التعليم في شتى المجالات وإعطاء فرصة أكبر في تعلم الأشياء واكتساب المعرفة سواء بالتلقين أم بالممارسة والتجريب في معظم الدول، كما يقول إدوارد أفريت: التعليم يحرس البلاد أفضل من جيش منظم.

فالمعرفة هي أبواب الفلسفة المنطقية والمقبولة في ظل أذهاننا، فالفيلسوف الناطق عن الهوى ما هو إلا أحمق متكلم، ولا يسع الفلسفة سوى المعرفة بالجوانب المراد تفسيرها.

وكذلك القوة المرتبطة ارتباطا لا يمكن ثنيه مع المعرفة، فبالمعرفة تكمن القوة بل المعرفة تنشئ القوة، فإن أردت أن تنشئ مجتمعا جديدا مواكبا للبراعة والاعتلاء والفوز والازدهار فعليك التشبث بالمعرفة فهي السلاح الأول في الصعود على سلم النجاة بل وخلق سلم جديد.

ومن يعتقد أن مصادر الحصول على المعرفة هي الكتب فهو أعمى، ومن يعتقد أنها الإذاعة فهو أصم، ومن يعتقد أنها الممارسة فهو أبتر، لأن أساس اكتسابها هو التأمل ثم التساؤل ثم جمع المصادر.