سالم اليامي

عالمنا المعاصر مليء بالمتغيرات، وهناك أمور كانت لعقود طويلة تحظى بخصوصية، ولها محدداتها المعروفة عند أهل الدرس والأكاديميات، في الكليات، والجامعات المتخصصة، وعند أهل العمل، والممارسة الميدانية. والإعلام أحد هذه الأمور التي طالما كانت تشكل خصوصية في الأمم والمجتمعات وكانت تقوم عليها أجهزة عالية الحساسية والأهمية غالبا ما تكون تابعة للسلطة في هذا المجتمع أو ذاك. بل وتكاد في بعض المجتمعات محتكرة الإعلام بالكامل للسلطات السياسية. كان هناك ما يمكن أن نسميه تجاوزا بالإعلام المنقسم رأسيا وتتقاسم المساحة فيه الدول الكبيرة وفِي زوايا خلفية من الفضاء الدولي كانت تظهر كيانات إعلامية صغيرة، وضعيفة وليس لها القدرة على التأثير القوي، ولكنها في المحصلة النهائية تشغل حيزا من الإعلام الكوني وتقدم حسب الأدوات المتاحة لها، كان هناك في ظل هذه المراوحات العامة السلطات السياسية، أو إعلام الدولة. وكان هذا النوع من الإعلام هو المصدر الأحادي للمعلومة، والموقف السياسي. وحرصت المجتمعات السياسية حتى في شكلها الأولي، على الوقوف في وجه أي صوت يحاول اختراق فضائها الإعلامي وتهميشه، وحتى تمزيقه. ولكنه ولأن لا شيء يبقى على حاله، جرت هذه القاعدة على الإعلام وتمت مشاركة إعلام الدول الرسمي بما يمكن أن نسميه تجاوزا بإعلامات (جمع إعلام) موازية، وتوصف في بعض الكتابات بالإعلام البديل، أو المنافس. وبعد أن كان الناس في كل الدنيا خاصة ضمن أطر الدول وحدودها السياسية يتأثرون بالإعلام الحكومي أو الرسمي، والسياسي، فقط طوال اليوم وعلى مدى سبعة أيّام ولمدة أشهر، وسنوات. اختلفت اليوم هذه المعادلة وأصبح الناس في مرمى حجر من سهام الإعلام، أولها الإعلام الرسمي أو السياسي الذي تقوم على تغذيته وبلورته دول ومؤسسات حكومية تقليدية. ثم هناك الإعلام المستقل أو الخاص، وفِي الغالب يكون متحررا من بعض القيود البيروقراطية التي تمثلها المؤسسات الحكومية، وفي الحقيقة هذا الإعلام ليس مستقلا بالكامل كما هو في تسميته، حيث يتبع بالعادة لمواقف دولة، أو دول ما، وربما يتم تلمس مساحة الحرية فيه في نسق طرح المعلومة ومرونة تعاطي الناس معها. الجديد اليوم ما يسمى بالإعلام المتأتي عن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والإنساني وله أوصاف ونعوت كثيرة ولعل من السلامة توصيفه دون تسميته حتى تستقر الرؤى على تسمية مناسبة له، ومن توصيفات هذا الشكل الجديد أن أصبح المرء، رجل أو امرأة، أو طفل، أصبح يقوم جزئيا بدور إعلامي يمكنه التأثير في الآخرين بعد أن تسهلت عملية وصوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أبعد نقطة في العالم، هذا النوع الذي لا يزال في رأينا في طور التشكل والتبلور، أزعج مجتمعات كبيرة وذات تاريخ عريق، حيث أظهرت بوضوح الخوف من قدرته على تخطي الحدود والتأثير في البشر، ولعلنا كمراقبين نقرأ منع كثير من الدول من استخدام بعض وسائل التواصل الشهيرة في أراضيها، تويتر، وواتساب على سبيل المثال. وتتلمس أيضا في هذا السياق رغبة مجتمعات أخرى في استخدام فضاء إنترنتي خاص بها، أي إنترنت معزولة في حدود الدولة السياسية، وليس له علاقة، أو اتصال بالإنترنت الدولي، أو العالمي، ذي المحتوى الغربي، والأنجلوسكسوني. أي أن إنسان اليوم يمكن أن ينتج مادة تؤثر في أعداد من الناس ذات محتوى محدد، وربما مدروس. يعالج قضايا، وأفكار، وتطلعات تهم الناس الذين لديهم قدرة على الولوج في الفضاء الإلكتروني الدولي. الإنسان المعاصر ومع التطورات السريعة في فضاء الإعلام وتقنية المعلومات يمكن أن يكون صوتا لمحتوى ما، ويمكن أن يعجب، ويؤثر في الناس، والكل يحتسي الشاي في مكتبه أو غرفة معيشته. القادم قد يكون صادما ومغايرا لكل الأطر التي عرفها الناس منذ القدم مع الإعلام.

salemalyami@