تتحدث الأسطورة عن راعٍ للماشية عاش في الحبشة قديم الزمان ولاحظ أن ماشيته تصبح أكثر نشاطاً وحيوية ولا تنام حين تأكل ثمار نوع معين من الأشجار البرّية، فأخذ الراعي أوراق الشجرة لشخص يشكو عدم قدرته على السهر ليلاً، فكان ذلك الاكتشاف الأول لثمار شجرة البن وأثرها المنبه والمنشط، لتنتشر القهوة عالميا وتصبح المشروب الأول، بل هي أكثر بكثير من مجرد مشروب، فهي ثقافة معانٍ متنكرة في كوب من السائل الدافئ، وهي جرس الاستيقاظ أو اليد التي تربت على كتفك بكل لطف لتقول لك: صباح الخير، وجزء من الروتين الصباحي للعديد من الناس، وبالنسبة للكتَّاب والمبدعين فهي الطقس الأهم، فهناك علاقة خفية وغامضة وفاتنة بين المبدع والقهوة، فأجمل النصوص والعبارات كتبت حول هذا المشروب الداكن الساحر، فقد قال عنها الشاعر الأمريكي الحائز على نوبل ت.س.أليوت «أقيس عمري بعدد ملاعق القهوة»، أما الأديب الأمريكي تشارلز بوكوفسكي فكتب: «أريد فقط فنجاناً ساخناً من القهوة»، أما علاقة الأديب الفرنسي بلزاك مع القهوة فهي مثال نموذجي لتلك العلاقة الغامضة بين المبدع والسائل البني، فقد كانت طقوسه في الكتابة تثير الدهشة، فهو ينام النهار ويكتب ليلاً من الساعة الواحدة حتى الثامنة صباحاً، وخلال الكتابة كان بلزاك يحتسي ما يقارب 50 فنجاناً من القهوة، أما الفيلسوف الفرنسي فولتير فكان لا يقل إدماناً على القهوة من بلزاك، فقيل إنه كان يحتسي ما يقارب 40 إلى 60 فنجاناً من القهوة يومياً، ويمزج قهوته بالشكولاتة، ويفضّل تناولها في مقاهٍ معينة، ويمنح العاملين لديه أموالاً طائلة إذا أحضروا له نوعيات فاخرة من حبوب القهوة، ولم يستمع أبداً لنصائح الأطباء بأن القهوة ستقتله يوماً، لكنه خالف التوقعات وعاش حتى جاوز الـ80 عاماً. وكان الموسيقار العبقري بيتهوفن مهووسا بقهوة الصباح لتعديل مزاجه. أما الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيغارد فكان في حوزته 50 كوبا مختلفة الأشكال يختار منها كل يوم واحدا ليصب فيه قهوته السوداء، مع جبل من السكر يخرج عن حافة الكوب. ويبقى محمود درويش صاحب النص الأجمل عربيا عن القهوة، فقد كتبه في شقته تحت القصف المستمر أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982، حيث ظل يردد في نصه البديع أنه لا يحتاج من العالم سوى خمس دقائق كهدنة يعد فيها فنجان قهوته قبل القصف: «لا أريد سوى رائحة القهوة، ولا أريد من الأيام كلها سوى رائحة القهوة، رائحة القهوة لأتماسك، لأقف على قدمي، لأتحول من زاحف إلى كائن، أريد رائحة القهوة، أريد هدنة لمدة خمس دقائق من أجل القهوة»، وكان يسميها «عذراء الصباح»، و«مفتاح النهار» وهو متعصب لكوب القهوة الأول فيكتب «والقهوة، لمَنْ أدمنها مثلى هى مفتاحُ النهار، والقهوة لمَنْ يعرفها مثلي؛ هى أن تصنعها بيديّك، لا أن تأتيك على طبق، لأن حامل الطبق هو حامل الكلام، والقهوة الأولى يفسدها الكلام الأول لأنها عذراء الصباح الصامت»، ولن ينتهي الغزل بتلك الساحرة السوداء، فماذا تقول عنها أنت؟ وكيف تشربها؟.