د. نورة عبدالله الهديب

قبل يومين خرجت مع والدتي لشراء قهوة، وأثناء الانتظار في السيارة رأينا منظرا مشمئزا دفعني ليكون موضوعي لهذا الأسبوع. فتاتان يتراوح عمرهما بين العشر وما فوق برفقة الخادمة وأخ صغير يتراوح عمره بين خمس إلى ست سنوات مع السائق. كانت طلباتهم عشوائية بين نافذتي الطلب، فبالرغم من أن الطلبات مخصصة للمركبات إلا أنهم جاؤوا مشيا على الأقدام للطلب. لاحظت أنا ووالدتي بينما كنا ننتظر تصرفات غير لائقة من السائق الذي كان يقف مع الطفل عند نافذة الطلب. كان السائق غافلا عن وجودي في السيارة إلا أنه انتبه وارتبك سلوكه ليقول كلمات تبرر أفعاله بصوت عال.

طلبت من صاحب القهوة أن ينادي الفتاتين من الجهة الأخرى، فارتجلت حوارا بسيط مع الفتاة الكبرى وسألتها عن مكان وجود أهلها. كانت العائلة تجلس في الحديقة العامة والمقابلة لمحل القهوة. وطلبت من الفتاة أن تمسك بيد أخيها الصغير وتبعده عن السائق لتوصل رسالتي لوالدتها، لعلها تعتبر وتعي مقدار المسؤولية التربوية على عاتقها. فالثقة العمياء في غير محلها قد توقع صاحبها في التهلكة فيكون الندم حليفه. وبناء على هذا الموقف، فإن ثقة الأهل بالعمالة الأجنبية كانت مبنية على المجهول فلا تاريخ ولا مواقف معلومة تشجع الأبوين على الثقة للغرباء.

فإهمال الرقابة من قبل الوالدين تؤدي إلى حروب وصراعات نفسية واجتماعية وأخلاقية لأطفالهم في المستقبل لا سمح الله. على سبيل المثال، فإن التحرش بالأطفال من قبل العمالة المنزلية بسبب الإهمال كان له دور كبير في الانحراف. وبعد فترة قد يتساءل بعض الآباء عن أسباب ودوافع انحراف أو عدوانية أطفالهم في فترة المراهقة أو ما بعد ذلك. وإن تتبعنا الخط الزمني التراكمي لحياة هذا الطفل لوجدنا ثغرات متعددة بسبب غفلة أحد الأبوين عن طفلهما. لتكون هذه الغفلة دافعا للغرباء ليقوموا بأفعال شاذة.

سابقا كنت قد فتحت باب الاستشارات التطوعية، ومن ضمن المشاكل التي يواجهها البعض الانحرافات. فأغلب الحالات كانت تراوح بين الانتقام بسبب إهمال الأبوين. فطرة الطفل لا تقبل الفعل الشاذ بشكل عام ولكن في حالة التحرش فإن البعض يلوم تجاهل وعدم اهتمام والديه له في طفولته. فتتكون عند البعض مشاعر عدوانية خفية تجاه والديه فيمارس رغباته المنحرفة اعتقادا منه أنه رد للاعتبار بالنسبة له.

فدوافع الفاعل (المتحرش) متعددة ومجهولة بالنسبة لنا خاصة مع العمالة الأجنبية. فالبيئة والظروف القاسية تؤثر سلبا في بعض الأحيان بسلوك الإنسان إذا لم يردع نفسه بمجاهدتها. رسالتي إلى الأبوين هي، الرقابة عن كثب للسلوكيات وعدم إعطاء الثقة المطلقة للدخلاء. تنبيه الطفل على التفرقة بين السلوك الطبيعي وغيره، وتوعيته عن طريق الدروس التي تتناسب مع مفاهيمه. إعطاء الطفل الأمان أثناء الحديث عن مواقفه اليومية ومناقشة تفاصيلها بعيدا عن التهديد والتخويف. فخوف الطفل يدفعه للكذب وإخفاء الحقائق عن أبويه. وعودة إلى الموقف السابق، فإنه من الخطأ أن يعتمد الأبوان على أطفالهم الكبار في رعاية إخوتهم الصغار. فالطفل مهما كان واعيا فإنه سينجذب لاهتمامته تاركا مسؤولياته تجاه إخوته الصغار.

FofKEDL@