د. نورة عبدالله الهديب

يفكر بعض الآباء والأمهات كثيراً في مستقبل أطفالهم، وخاصة في ظروف هذا التحول السريع الذي تشهده البشرية. فالحياة الأسرية الحالية بمعطياتها تختلف عن الحياة الأسرية بمعطياتها في الماضي. ولأن مستقبلنا يتمثل فيما نستثمره في أطفالنا، فيجب علينا أن نستوعب أن المستقبل الذي نتطلع إليه هو (الطفل). فمن هو ذلك الطفل؟ وماذا نريد منه؟ وكيف لنا أن نجعله قادرًا على العطاء والتقدم لنفسه ومجتمعه ووطنه؟

من الناحية التربوية، أرى أن الطفل عبارة عن منظومة صغيرة ومرنة ولكنها عميقة ونقية لم تتلوث كثيراً بشوائب الحياة. وفيها من الكنوز الثمينة التي تحتاج إلى غواص ماهر لاستخراجها وصقلها وتفعيلها. وكتربوية، فإن هذه المنظومة تحتاج إلى إعادة هيكلة لتتناسب مع ظروف المكان والزمان الذي نعيشه. فالفطرة السليمة هي القاعدة التي تُبنى عليها المنظومة وترتكز عليها، لتكون دعائمها تلك القيم والمبادئ الإنسانية التربوية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية والدينية التي تؤهل الطفل ليكون مستقبلاً واعداً. ولكي نتجاوز القلق التربوي في أطفالنا علينا النهوض وإعادة هيكلة المنظومة عن طريق معرفة الاحتياجات والمتطلبات المستقبلية بشكل دقيق.

وعن طريق عمل الأبحاث والدراسات الدقيقة والتي تسعى إلى معرفة احتياجات كل من؛ الطفل والأسرة والمجتمع والوطن، سوف نتمكن من الكشف عن الثغرات المُحتمل حدوثها مستقبلاً. واستخراج الكنوز المدفونة ووضعها في المكان المناسب في تلك المنظومة لاستخدامها وغيرها. لذلك، فإننا نريد أن نعرف أولاً من هو ذلك الطفل، وما تطلعاته وكيفية تفكيره ورؤيته الخاصة للمستقبل والمفاهيم المستحدثة من منظوره الخاص وغيرها؟. ومن هذا المنطلق، نستطيع دعم منظومته بالتعديل والإضافة والتطوير لتتناسب مع مستقبله. والاعتناء بهذه المنظومة عن طريق غرس القيم والمبادئ التربوية بشكل نظري سيساعدنا على خلق مناهج تربوية تطبيقية حديثة تتناسب مع احتياج طفل المستقبل.

ولكي يصبح الطفل قادرًا على العطاء مستقبلاً، يجب علينا أن نركز على المنظومة التربوية قبل المنظومة التعليمية. فلا معنى ولا نتيجة للتعليم إذا لم يكن هناك قواعد تربوية أساسية توجهه وتضبط مسار النتائج التعليمية. فالقلق التربوي المستقبلي عند البعض سيزول بإذن الله إذا أيقنا بقدراتنا الفكرية والعاطفية على استخراج المنظومة الصغيرة في الطفل وتشكيلها بما يتناسب مع رؤيتنا التربوية والعلمية في المستقبل.

وأخيراً، فالواجب علينا كتربويين هو تقدير الطفل والإيمان بقدراته الفطرية السليمة ومعرفة احتياجاته العاطفية والفكرية للمستقبل. وخلق مناهج جديدة تُعنى بالتربية العملية الحديثة والتي تحتوي على أساليب متنوعة تجذب عاطفة الطفل وعقليته بطرق مختلفة.

FofKEDL@