هناك مقولة تتردد منذ عقود تقول: إن الصراع على الماء سيكون أحد محركات العلاقات بين الدول. وكانت تتنبأ بأن أحد أشكال الصراع المتوقع نشوبها بين الدول سيكون سببه المياه. قادني للحديث عن هذا الموضوع عدة أمور، أولاها: أن هذا الأمر في جوهره - الصراع على المياه - أصبح أحد محركات العلاقات الدولية، وأن تلك المقولات والتنبؤات بدأت تصبح حقائق ملموسة، الأمر الآخر أن هناك حقيقة تتبلور في منطقتنا وتمثل حالة من الصراع بسبب المياه بين بلدان عربية ودول أخرى أفريقية، وأنا هنا أقصد ملف سد النهضة، الذي يثير الخلاف على الأقل الآن بين إثيوبيا والسودان ومصر، وأعتقد أن معظم المعلومات المتوفرة عبر برامج التلفزيون ونشرات الأخبار زودت الناس بجرعة معرفية محدودة حول الموضوع، فرأيت أن أبين بعض المعلومات التي تساعدنا جميعا، مهتمين بحركة العلاقات بين الدول، أو متابعين لنشرات الأخبار والبرامج السياسية، على فهم أفضل لقصة السد وقضية الصراع حوله.
وفِي ظني أن البداية حول تنظيم العلاقة بين الدول التي يمر بها هذا النهر العظيم الذي يبلغ أكثر من ستة آلاف كيلو متر، ويمر في أراضي إحدى عشرة دولة قديمة، وتم تأطيرها في أشكال مكتوبة تسمى معاهدات، أو اتفاقيات أقدمها يعود للعام 1902م، وتؤكد الأخبار أن التعاطي بين الدول الواقعة على النهر، وخاصة دول المنبع، ودول المصب تكررت في سنوات لاحقة ونتج عن ذلك التعاطي أمور تنظيمية حول الحصص، واختصاص دول المصب بالموافقة على أي تعديلات أو تصرفات تحدث للنهر ومياهه المتدفقة، هذه النقطة في رأيي الخاص من أبرز النقاط التي أجلت بِنَاء إثيوبيا على النيل الأزرق إلى الآن. ولكن أمرين اثنين غيرا من شكل العلاقة بين دول النهر، أهمهما أن الجانب الإثيوبي بدأ يفسر كل العلاقات السابقة من اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات بين الدول باتت من الماضي، وعلى دول المصب بالذات تفهم الحاجة التنموية لإثيوبيا وشعبها. وربما يكون هناك أيضا أسباب أخرى تتعلق بضغوط دولية، ربما على دول المصب، وتدعم وجهة نطر الطرف الثاني. الأمر الآخر أن الرغبة ببناء السد كانت قديمة وتذكر بعض المصادر أن جمهورية مصر العربية كانت ترفض رفضاً قاطعا إحداث أي مؤثرات تغير من واقع دول المصب في حصتهم الكاملة، الأمر الآخر الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الوزن النوعي، والتأثير الدولي للدول يتغير من حال إلى آخر، فجمهورية مصر العربية كانت تملك شبكة علاقات دولية مؤثرة في القارة الأفريقية، وكان الحضور المصري في أفريقيا قوي على الناحيتين السياسة والاستخبارية، وتذكر المصادر التاريخية أنه في سنة 1953م زار الإمبراطور الإثيوبي هيلاسي لاسي القاهرة وفاتح عبدالناصر في موضوع السد، طبعاً لم يكن السد الذي يتحدث عنه حينها مثل السد الحالي، فقال له عبدالناصر، الأمر مرفوض ودونه خرط القتاد كما يقال، واستمر هذا الموقف المصري، حتى أنه قيل إن السادات هدد علنا بقصف أي منشأة تقام على النيل تؤثر على حصة مصر والسودان.
مع التطورات الدولية التي حتما شهدت تغيرا في قوة بعض الدول، ومع تكالب الأزمات ومن بينها أزمة الربيع العربي، سالت مياه كثيرة في النيل وتغيرت الموازين واتفقت الدول الثلاث على إعلان مبادئ وقع في الخرطوم 2015م يقال إن هذا الموضوع أزال الفيتو المصري رسميا عن التصرف الإثيوبي في مياه النيل. ومنذ العام 2011م وحجر أساس السد موضوع وكان ينتظر أن يتم الانتهاء من بنائه في العام 2017م ولكنه تأخر إلى الآن، لأسباب كثيرة. ما نتمناه كمراقبين مستقلين أن تتوصل الأطراف إلى حلول سلمية لاستمرار تقاسم مياه النيل دون نشوب صراع على الماء في منطقتنا.
salemalyami@
وفِي ظني أن البداية حول تنظيم العلاقة بين الدول التي يمر بها هذا النهر العظيم الذي يبلغ أكثر من ستة آلاف كيلو متر، ويمر في أراضي إحدى عشرة دولة قديمة، وتم تأطيرها في أشكال مكتوبة تسمى معاهدات، أو اتفاقيات أقدمها يعود للعام 1902م، وتؤكد الأخبار أن التعاطي بين الدول الواقعة على النهر، وخاصة دول المنبع، ودول المصب تكررت في سنوات لاحقة ونتج عن ذلك التعاطي أمور تنظيمية حول الحصص، واختصاص دول المصب بالموافقة على أي تعديلات أو تصرفات تحدث للنهر ومياهه المتدفقة، هذه النقطة في رأيي الخاص من أبرز النقاط التي أجلت بِنَاء إثيوبيا على النيل الأزرق إلى الآن. ولكن أمرين اثنين غيرا من شكل العلاقة بين دول النهر، أهمهما أن الجانب الإثيوبي بدأ يفسر كل العلاقات السابقة من اتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات بين الدول باتت من الماضي، وعلى دول المصب بالذات تفهم الحاجة التنموية لإثيوبيا وشعبها. وربما يكون هناك أيضا أسباب أخرى تتعلق بضغوط دولية، ربما على دول المصب، وتدعم وجهة نطر الطرف الثاني. الأمر الآخر أن الرغبة ببناء السد كانت قديمة وتذكر بعض المصادر أن جمهورية مصر العربية كانت ترفض رفضاً قاطعا إحداث أي مؤثرات تغير من واقع دول المصب في حصتهم الكاملة، الأمر الآخر الذي يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن الوزن النوعي، والتأثير الدولي للدول يتغير من حال إلى آخر، فجمهورية مصر العربية كانت تملك شبكة علاقات دولية مؤثرة في القارة الأفريقية، وكان الحضور المصري في أفريقيا قوي على الناحيتين السياسة والاستخبارية، وتذكر المصادر التاريخية أنه في سنة 1953م زار الإمبراطور الإثيوبي هيلاسي لاسي القاهرة وفاتح عبدالناصر في موضوع السد، طبعاً لم يكن السد الذي يتحدث عنه حينها مثل السد الحالي، فقال له عبدالناصر، الأمر مرفوض ودونه خرط القتاد كما يقال، واستمر هذا الموقف المصري، حتى أنه قيل إن السادات هدد علنا بقصف أي منشأة تقام على النيل تؤثر على حصة مصر والسودان.
مع التطورات الدولية التي حتما شهدت تغيرا في قوة بعض الدول، ومع تكالب الأزمات ومن بينها أزمة الربيع العربي، سالت مياه كثيرة في النيل وتغيرت الموازين واتفقت الدول الثلاث على إعلان مبادئ وقع في الخرطوم 2015م يقال إن هذا الموضوع أزال الفيتو المصري رسميا عن التصرف الإثيوبي في مياه النيل. ومنذ العام 2011م وحجر أساس السد موضوع وكان ينتظر أن يتم الانتهاء من بنائه في العام 2017م ولكنه تأخر إلى الآن، لأسباب كثيرة. ما نتمناه كمراقبين مستقلين أن تتوصل الأطراف إلى حلول سلمية لاستمرار تقاسم مياه النيل دون نشوب صراع على الماء في منطقتنا.
salemalyami@