د. محمد حامد الغامدي

n إن موقفي من سد النهضة في جزء منه موقف بيئي علمي، أعلنته ضد بناء السدود قبل ثلاثة عقود، كتبت عنه وتحدثت ثم وثقت، وشرحت موقفي هذا في كتبي، عن الحفاظ على المياه واستدامتها. مع هذه النظرية، اعتبرت السدود أحد علامات التصحر، وتزداد قناعتي بهذا الأمر.

n هذا يعني، أن منطقة السد (أي سد)، بما حولها، وأيضا ما بعدها، ستتعرض للتصحر، ولو بعد حين. هذا يعني في نهاية المطاف انحباس الأمطار، وتفشي التصحر. أي أن كارثة الجفاف، وقسوة التصحر، قادمة. وهذا الأمر برمته قادم مع سد النهضة، وقد أصبح مسألة وقت، إذ بدأ العد التنازلي.

n توجد مؤشرات علمية على التصحر، ظهور واحد من هذه المؤشرات في أي مكان، يكفي للحكم عليه، وقد أضفت إلى هذه المؤشرات العلمية مؤشر بناء السدود، التي كنت ضدها منذ زمن، وأجد أن الإشارة إليها، قد تعمق التحليل والاستنتاج.

n إثيوبيا كدولة وكيان جغرافي، لا يمكنها السيطرة والتحكم في كمية مياه الأمطار التي تنزل من السماء على أرضها، أو توجيهها لأي بقعة داخل أراضيها، كذلك بقية دول العالم. ومهما بلغت أعداد السدود، التي يتم إنشاؤها في العالم لحبس فيضانات وسيول الأمطار، فإنها تمثل حالة إضرار بالبيئة على المدى الطويل، قبل أن تكون لها أية منافع اقتصادية واجتماعية وصناعية.

n إن تغيير الطبيعة يفضي لنتائج ليست في الحسبان، مهما بلغ التغيير مداه العلمي، ودقته. إن ثمة وجها يحمل العيوب والتحديات، وقد لا تتضح كل التحديات في حينه، لكنها تظهر ولو بعد حين، معها وعندها تتحول بيئة السد ومناطقه من بيئة طبيعية، لبيئة اصطناعية، لا تجدد نفسها، فتكون الكارثة.

n إن البيئة الاصطناعية تتآكل بفعل الزمن والتقادم، مصيرها في نهاية المطاف التصحر والتهدم وبشكل لا يمكن علاجه، وتلافيه. هنا يدفع البشر والأجيال الثمن غاليا. توجد حزم أخرى سلبية منها نتائج الضغط الهائل على صخور الطبقات الحاملة لثقل كتلة بحيرة السد، وهي تخضع للكثير من العوامل الجيولوجية، ولها نتائج وخيمة، أهمها حدوث الزلازل.

n ذلك التوصيف، سيحدث مع إثيوبيا. فهي المتضرر الأول، من بناء السد، لأن بحيرة هذا السد، ستقضي على الكثير من أفضل الأراضي، الزراعية خلفها، وستغمرها بالماء، وتجبر أهلها عبر التاريخ البشري على مغادرتها، وهم صاغرون. والمقصد من عبارة (أهلها) هم البشر والحياة فطرية، وكل من قد تكيف لشروط الحياة الطبيعية، المتجددة عبر القرون.

n بحيرة سد النهضة ستلتهم، وتنهي كل حياة. عندها يتحول الماء إلى سلاح، فتتغير رسالته ودوره ووظيفته التي اختارها الله، وهذا تجاوز بشري مغيب الأهمية والتفكير في أبعاده.

n إن حق إثيوبيا في مياه الأمطار، يجب ألا ينسيها، أن الماء ملك الله، يسوقه مطرا حيث يشاء، رزقا لخلقه. فهل يجوز، لأي مخلوق، حجب رزق الله عن الآخرين، أو يجعلهم يدفعون الثمن؟

n الماء يختلف عن مناجم الذهب، ومكامن النفط والغاز، وبقية الثروات الطبيعية. الماء هبة الله لخلقه، على هذه الهبة تقوم الحياة. فهل يحق لخلق الله، استخدامه فيما يضر، أو منعه وحجبه، أو التهديد به، أو التسبب في نضوبه. الماء العذب مصدره السماء، وحتى يهطل، لا بد من توافر شروط بيئية، مناسبة لنزوله، السدود ليست منها.

n توجد حقوق للأفراد، وللناس، وللشعوب، وللبيئة، ولشركاء الحياة في المياه، حتى داخل مياه البحار. هي حقوق حفظها الله من خلال تشكيل البيئة التي تحمل الماء، وتوجه مساراته. أرادها جل شأنه وسخرها أن تكون كما هي. منافع للناس وهي لهم حق مشترك. ويظل السؤال يتكرر.. هل ارتكبت مصر خطأ إستراتيجيا بحق أجيالها القادمة؟ ما هو؟ ولماذا؟ ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH