نورة إبراهيم تكتب:

تكاد تندثر في نطاق مجتمعنا السعودي ثقافة العلاج النفسي، على الرغم من أهمية الصحة النفسية للإنسان نظرا لتعقيدها وتشعبها، إلا أن النظرة الغالبة التي ينظر بها الناس للعلاج النفسي ومرتاديه يشوبها الكثير من المغالطات، إذ يوصمون المريض النفسي بالجنون، وفي بعض الأحيان يعتقدون بعلاقة التلبس والجن في الأمر، مما يساهم وبشدة في تحجيم وانعدام رغبة العلاج عند الكثيرين ممن يشعرون بحاجتهم للعلاج، أو الاضطرار إلى الذهاب خفية، ومن ثم الاجتهاد في كتم هذا الصنيع وإخفائه ليتحقق الوصم الاجتماعي في أشد صوره.

كلنا مرضى نفسيون بدرجات متفاوتة، هكذا قالت عالمة النفس الأمريكية كاي ردفيلد جاميسون في كتابها (عقل غير هادئ)، والذي كانت تصف فيه حالتها النفسية المرضية، ولعلها جرأة كبيرة بأن تقوم عالمة نفس بهكذا خطوة، أن تعرض تاريخها النفسي وهي المتخصصة بذلك، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على مصداقية ما قالت، فلا يوجد إنسان بمعزل عن الأمراض النفسية طالما كان على قيد الحياة، حتى وإن كان عالما نفسيا.

ولا أخفي اتفاقي الكبير مع ما قالت جاميسون، نعم نحن مرضى نفسيون، بدرجات متفاوتة، مثلما نحن سعيدون بنسب متفاوتة، وحزينون بنسب متفاوتة، وأحرار بنسب متفاوتة أيضا!، فمن غير الممكن أن نعيش من الطفولة إلى هذه اللحظة دون أن نواجه صدمات قوية، مواقف حرجة وصعبة، وحالات فقدان للأقارب والأحبة، لا يمكن أن تمر بنا كل هذه الأشياء دون أدنى تأثير نفسي سيئ قد يتفاقم سوؤه إذا تم تجاهله.

ولهذا يجب أن يتم نبذ الأفكار الخاطئة فيما يتعلق بالمرض النفسي وعلاجه، ولن يتم ذلك إلا بالنظر وبجدية في حقيقة علم النفس وتفريعاته واستنادها على أسس علمية متينة، بدلا من الجنوح وبجهالة إلى رمي كافة المشاكل النفسية إلى أسباب لا صلة لها متعلقة بالحالة الدينية للشخص، كمثال القول بأنه مقصر في عباداته وعلاقته الروحانية مع الله، وبدلا من احتوائه يتم إثقاله بظنون وتصورات غير متصلة بحقيقة حالته، ومن المؤسف ألا تقتصر هذه الممارسات على أفراد المجتمع بل تشمل بعض ممارسي المهنة من الأطباء النفسيين، وهنا تكمن المشكلة الكبرى، وتصبح المسؤولية كبيرة على عاتق بقية من يدرك ويفهم بأن الحالة النفسية أكثر تعقيدا من ذلك.

لن يستطيع العلاج النفسي أن يخلص جميع الناس من أمراضهم وتبعاتها، أو يقتلعها من جذورها، لأن ذلك ضرب من ضروب المستحيل، لكن ما يبرز أهميته وضروريته، هي القدرة التي يمتلكها على كشف جوانب عميقة في داخل الإنسان، وعرضها على السطح، ليتمكن المريض من معرفتها ومواجهتها، والتقليل من حدتها، يبدو لي ذلك أفضل وبكثير من إهمالها وتركها تتعاظم لتصل به إلى مراحل لا يمكن السيطرة عليها، تؤذيه وتؤذي كل من يحيط به أو يتعامل معه، سواء كان ذلك الإيذاء نفسانيا أو حتى جسديا.

@naevius_