د. جاسم المطوع

لماذا وصف القرآن المرأة مادحًا لها بأنها هي السكن وليس الرجل؟ سؤال مهم يحتاج منا لتوقّف وتأمّل؛ لنعرف كيف تكون المرأة سكنًا للرجل؟ وهل يمكن أن يكون الرجل سكنًا للمرأة؟ فقد يملك الرجل عدة عقارات ومساكن، ولكنه يفتقر للسكن الحقيقي، وهو المرأة في حياته، ولا أقول هذا نظريًا، بل سمعتُ هذا الكلام من عدة رجال كانوا يصارحونني بمشاعرهم الداخلية، ويقولون لي إنه لا ينقصهم شيء من المال والصحة والجاه والمنصب، ولكن كلًّا منهم يفتقر لراحة نفسية بالسكون والسكينة لامرأة يحبها وتحبه، فهل السكن في البنيان أم في راحة الإنسان؟

فالله تعالى وصف المرأة بالسكن عندما قال (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون)، فالمرأة سكن للرجل، كما أن الرجل مركز أمان للمرأة، ويجمع بينهما المودة والرحمة، فالمرأة تربّي الأبناء وتجمعهم، وتدير البيت من الصباح إلى المساء، لا تأخذ إجازة، ولا ترتاح، وهي تؤدي عملها هذا بحب وشوق، ويشعر الرجل بفراغ كبير في حياته لو فقد المرأة، حتى لو كان يملك المساكن الكثيرة، فهي إذًا سكن ومسكن للأسرة.

وكون المرأة سكنًا.. إذًا هي لديها عدة غرف، وهذه من المهارات التي تمتلكها المرأة لتكون سكنًا وراحة، فالزوجة عندها غرفة للحنان، وغرفة للحب، وغرفة للأمان، وغرفة للراحة، وغرفة للترفيه، وغرفة للتمريض، وغرفة للتغذية والصحة، وغرفة للحوار والحديث، وغرفة للإدارة، وغرفة للنظافة، وغرفة للزينة، وغرفة للعلاقة الحميمية، وغرفة للتربية، وغرفة للتعليم، فكل هذه الغرف عبارة عن أعمال وخدمات تقوم فيها الزوجة بالبيت ولهذا هي سكن وراحة وطمأنينة واستقرار.

ولو تأملنا الآيات القرآنية التي وردت بها كلمة سكن؛ لفهمنا المقصود، قال تعالى واصفًا الليل: (وجعل لكم الليل سكنًا) أي يرتاح فيه الناس، وقال عن صلاة النبي عليه الصلاة والسلام ودعائه للمؤمنين: (وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم) أي أنهم يطمئنون ويسكنون إلى دعواتك، وفي العلاقة الزوجية قال الله تعالى: (وخلق منها زوجها ليسكن إليها) أي أن حواء خلقها الله من آدم ليسكن إليها، أي أن المرأة هي سكن الرجل ومحله الذي يطمئن إليه ويستقر؛ لأن المرأة لها دور عظيم في حياة الرجل، ولا يستغني الرجل عن المرأة في حياته مهما حاول، فالمرأة هي سكن للرجل، والرجل أمان للمرأة، فكل واحد منهما يعطي الآخر ما يحتاجه ويشعره بالراحة والاستقرار.

والسكينة على وزن فعيلة، أي تعني الوقار وليس فقد الحركة، وهذا مؤشر على أن العلاقة الزوجية التي يصفها القرآن بـ السكن لا تعني عدم وجود مشاكل، فالمشاكل من حركة الحياة، وهذا أمر طبيعي، ولكن السكن يعني الطمأنينة والراحة، ولهذا فقد وصف الله قلوب المؤمنين بها فقال: (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) أي أوجد فيها الثبات والاطمئنان، وتقول العرب: سكنت الريح أي هدأت، فهذه كلها من معاني السكن والسكينة.

لا شك في أن تأمين السكن مهم، ولكن الأهم السكن الزوجي الذي توفره الزوجة، ويساعدها فيه الزوج لتحقيق الراحة والأمان والاطمئنان، فسكن البنيان مهم، ولكن سكن الإنسان وراحته النفسية هي الأهم، فكم صرفنا من الأوقات والأموال لحل أزمة السكن في دولنا، ولكن هل نصرف مثل هذه الجهود لحل أزمة السكن الزوجي بالمعنى القرآني؟

نعم إن حروف السكن واحدة، ولكن هناك فرقًا بين السكن المنزلي والسكن الزوجي.. فلنتأمل!!

@drjasem