هناك مقولات بعضها فلسفي منذ اليونان، وبعضها في علم النفس الحديث تشير إلى دور الشعور بالإعجاب في تحقيق السعادة، وأن الموضوعات أو الأحداث، التي تثير إعجابنا تشعرنا بالسعادة، لأنها تعد مصدراً لفرح خارجي أو انتشاء داخلي. وفي الواقع يكفي أن نفكر في هذه الظاهرة، لندرك أننا لا نعجب أبداً إلا بما يتجاوزنا، أي بما لا يكون بمقدورنا أن نفعله بأنفسنا؛ فنحن نعجب بالكائن الاستثنائي، رياضياً أو فنياً، إذا كان رفيع المستوى، ونصفق لما يقدمه من أداء ولموهبته؛ ليس لأنه يشبهنا أو لأننا نجد أنفسنا فيه، بل لأنه يتجاوزنا من الوجوه كافة، ولأن ما يصنعه يستحيل علينا القيام بمثله.
فالمتعالي هو ما يثير إعجابنا من دون تحفظ، وهو الذي يختلف عنا ويفوقنا، وبالتالي يجبرنا على الفرار من الأنا الخاصة بنا، ويدفعنا نحو نوع من الخروج عن الذات، ويُلزمنا -أخيراً- بالتفكير في شيء آخر خلاف ما نتصوره حدوداً لقدراتنا.
وسيكون من الغريب كما يبدو للوهلة الأولى أن يكون عالَم الرفاهية هو النظير لمثل هذه الحماسة المصاحبة دوماً للإعجاب بشيء ما يجعلنا سعداء. وهو بهذه الطريقة يكون بمثابة ميتافيزيقا للفقراء، أو بالأحرى للأغنياء. لأنه وبسبب العجز عن أن نكون عباقرة، يمكننا من خلال المال الدخول إلى مجال يشعرنا بنجاحنا في الإفلات من إمبراطورية الأشياء سريعة الزوال، والاستهلاك العادي. فالثروة تمنح لمَنْ تتوافر لهم الإمكانات ميزة الحياة في عالَم القطع الفنية والأثاث الكلاسيكي، والتحف الثمينة؛ باختصار: عالم الأشياء التي تبقى، والتي أثبتت من قبل قدرتها على البقاء؛ فهو تصور نُعجب به، لأنه يمثل أشياء لا يمكن التخلص منها بعد استعمالها، فهي غير قابلة للتلف السريع. وذلك من أجل تجاوز الطابع المؤقت، الذي يحيط بنا من كل جانب؛ فرجل الصناعة المرموق، الذي لا يصنع في حياته المهنية، ولا يبيع إلا ما هو «قابل للاستهلاك»، والأغراض التي تبلى بعد وقت محدد سلفاً، يحب على النقيض أن يحيط به ما يدوم، بدايةً من الأعمال الفنية، التي يصير عن طيب خاطر هاوياً متحمساً لها، لأنه يعتقد أنها تضمن وجوده بصورة ما في سجل الأبدية، بخلاف كل ما ينتمي إلى الطابع السلعي والتسلية، التي ينتجها هو في عالم التجارة والاقتصاد.
والآن نأتي إلى عالم التواصل الاجتماعي (أو السوشيال ميديا، كما يود المهووسون به دائماً تسميته)، هل إعجاب الفرد المتصفح لحسابات بعض نجوم هذا العالم ناتج عن شعور بأن أولئك النجوم يفوقونه قدرة ومواهب؛ كما أسلفنا في توضيح أسباب الشعور بالإعجاب من الناحية النفسية؟ وهل يظن أحد من عامة الناس، الذين يتلقفون أخبارهم ويتابعون حساباتهم أن أولئك، الذين سقطت عليهم الشهرة فجأة، يتجاوزونهم بإبداع أو فن أو علم أو غيرها، أو يستحقون أن يصرف الناس كثيراً من الوقت في نقاش أسباب سلوكهم وادعاءاتهم، بل وهياطهم؟ ومع ذلك كله لا يكلفون أنفسهم حذف حساباتهم أو الانشغال بأمورهم عن تفاهات أولئك المؤثرِين (كما يقال). الأهم من ذلك كله، ألا يعرف أولئك (مَنْ يتابع مَنْ لا يستفيد منه بأي شيء سوى التوتر الداخلي، وربما شيئاً من النكتة العابرة)، أنهم -أنفسهم- سبب استمرار هؤلاء العاهات في مواقعهم وفي كمية تأثيرهم في المجتمع بسخافاتهم، التي يشهد لها الجميع؟
falehajmi@
فالمتعالي هو ما يثير إعجابنا من دون تحفظ، وهو الذي يختلف عنا ويفوقنا، وبالتالي يجبرنا على الفرار من الأنا الخاصة بنا، ويدفعنا نحو نوع من الخروج عن الذات، ويُلزمنا -أخيراً- بالتفكير في شيء آخر خلاف ما نتصوره حدوداً لقدراتنا.
وسيكون من الغريب كما يبدو للوهلة الأولى أن يكون عالَم الرفاهية هو النظير لمثل هذه الحماسة المصاحبة دوماً للإعجاب بشيء ما يجعلنا سعداء. وهو بهذه الطريقة يكون بمثابة ميتافيزيقا للفقراء، أو بالأحرى للأغنياء. لأنه وبسبب العجز عن أن نكون عباقرة، يمكننا من خلال المال الدخول إلى مجال يشعرنا بنجاحنا في الإفلات من إمبراطورية الأشياء سريعة الزوال، والاستهلاك العادي. فالثروة تمنح لمَنْ تتوافر لهم الإمكانات ميزة الحياة في عالَم القطع الفنية والأثاث الكلاسيكي، والتحف الثمينة؛ باختصار: عالم الأشياء التي تبقى، والتي أثبتت من قبل قدرتها على البقاء؛ فهو تصور نُعجب به، لأنه يمثل أشياء لا يمكن التخلص منها بعد استعمالها، فهي غير قابلة للتلف السريع. وذلك من أجل تجاوز الطابع المؤقت، الذي يحيط بنا من كل جانب؛ فرجل الصناعة المرموق، الذي لا يصنع في حياته المهنية، ولا يبيع إلا ما هو «قابل للاستهلاك»، والأغراض التي تبلى بعد وقت محدد سلفاً، يحب على النقيض أن يحيط به ما يدوم، بدايةً من الأعمال الفنية، التي يصير عن طيب خاطر هاوياً متحمساً لها، لأنه يعتقد أنها تضمن وجوده بصورة ما في سجل الأبدية، بخلاف كل ما ينتمي إلى الطابع السلعي والتسلية، التي ينتجها هو في عالم التجارة والاقتصاد.
والآن نأتي إلى عالم التواصل الاجتماعي (أو السوشيال ميديا، كما يود المهووسون به دائماً تسميته)، هل إعجاب الفرد المتصفح لحسابات بعض نجوم هذا العالم ناتج عن شعور بأن أولئك النجوم يفوقونه قدرة ومواهب؛ كما أسلفنا في توضيح أسباب الشعور بالإعجاب من الناحية النفسية؟ وهل يظن أحد من عامة الناس، الذين يتلقفون أخبارهم ويتابعون حساباتهم أن أولئك، الذين سقطت عليهم الشهرة فجأة، يتجاوزونهم بإبداع أو فن أو علم أو غيرها، أو يستحقون أن يصرف الناس كثيراً من الوقت في نقاش أسباب سلوكهم وادعاءاتهم، بل وهياطهم؟ ومع ذلك كله لا يكلفون أنفسهم حذف حساباتهم أو الانشغال بأمورهم عن تفاهات أولئك المؤثرِين (كما يقال). الأهم من ذلك كله، ألا يعرف أولئك (مَنْ يتابع مَنْ لا يستفيد منه بأي شيء سوى التوتر الداخلي، وربما شيئاً من النكتة العابرة)، أنهم -أنفسهم- سبب استمرار هؤلاء العاهات في مواقعهم وفي كمية تأثيرهم في المجتمع بسخافاتهم، التي يشهد لها الجميع؟
falehajmi@