ماجد تمار

تدوين الدبلوماسيين لسيرهم ليست أوراقا تكتب ليصنع منها كتاباً، أو نوعا من الترف الفكري الذي يصنف غالبًا للأدب بأنواعه المختلفة. بقدر ما هي وقائع تكتب، حصلت وعايشها الكاتب واختلطت فيها المشاعر بين سعادة وحزن وفرح وألم ورضا وندم. فهي بالمقام الأول تظل تجارب حفرت في وجدان صاحبها الكثير من المشاهد التي ظلت عالقة في ذهنه ولازمته العمر كلّه.

والسؤال الذي يطرح ذاته، لما الدبلوماسي يدّون تجربته؟ وما الفائدة من ذلك. إن التدوين عامل راحة للكاتب، فيزيح عن عاتقه عبء نقل تجربته للآخرين، وألا تظل مذكراته حبيسة أدراج مكتبه لسنوات وقد يتجاوزها الزمن دون عودة وتصبح طي النسيان.

ما إذ نظرنا للمكتبة السعودية على وجه الخصوص، نجد شح المذكرات الدبلوماسية للدبلوماسيين السعوديين، ممن نالوا شرف الالتحاق بالسلك الدبلوماسي، ومثلوا أوطانهم بالخارج. ما السبب في ذلك؟

لا شك أن ثمّة دبلوماسيين نقلوا تجربتهم بكل صدق وأمانة اتجاه مجتمعهم والأجيال القادمة. كالسفير السعودي السابق بواشنطن سمو الأمير بندر بن سلطان في مؤلف «الأمير». ومنهم أيضًا القدير د. نزار مدني عبر مؤلفه «دبلوماسي من طيبة»، والوزير المفوض رضا النزهة «دبلوماسي في أربع قارات»، أ. محمد طرابلسي «مسيرة السياسة الخارجية وتجربتي الدبلوماسية». وغيرهم، بدأ بكتابة سيرهم وتجاربهم الشخصية في السلك الدبلوماسي.

إن التجربة المصرية لتدوين المذكرات والسير وبخاصة الدبلوماسيين منهم، تعد تجربة جدّيرة بالذكر. والأمثلة كُثر ولا يمكن حصرها، والفترة الزمنية ممتدة ولم تنقطع لتدوين الدبلوماسيين لسيرهم. منذ عهد الملكية وصولاً للجمهورية. ومن المؤلفات التي حصلت عليها لدبلوماسي يعد غير معروف بين الأوساط الدبلوماسية المصرية وحتى العربية، «مذكرات سفير» لكاتبه محمد التابعي. من المؤلفات القديمة في المكتبة العربية لأدب السير، دّون فيها الكاتب تجربته في زمن لا أظن فيه أن قد طرأ على باله أن هنالك من سيقرأ مذكراته أو يتذكره أحد، وهل ظن يوماً أن كتابه الذي نشر قبل أربعة عقود، سيقرأه شخص في وقتنا الحالي، أي بعد مدة زمنية طويلة من تاريخ نشره!

وفي هذا الصدد، سأنقل ما قاله التابعي في ختام مقدمته «إنني أعتبر هذه المذكرات جزءًا من التاريخ. مهمة الدبلوماسي تأتي بعد المؤرخ وقبل الفيلسوف، لأن المؤرخ هو الذي يعرف ماذا فعل الإنسان والدبلوماسي أو السياسي هو الذي يعرف ماذا يفعل الإنسان؟ فمهمة رجل السياسية أصعب من مهمة المؤرخ وأعقد من مهمة الفيلسوف.»

ويضيف أيضًا «وهذه المذكرات هي جمع لمهمة المؤرخ والدبلوماسي، لأنها جزء من الماضي، من التاريخ، والمهم استخلاص العبر والاستفادة بالدروس التي مرت بنا، إني أكتبها للأجيال القادمة من شباب الدبلوماسيين.»

الحكمة ليست في معرفة الشخص بين أوساط مجتمعه، فضلاً أن التدوين يعد توثيق تجربة المرء لوقائع شهدها وقد يكون أثر فيها وأثرّت فيه. ولماذا استهدف الدبلوماسيين في مقالي هذا. حيث إن السياسية الخارجية لأي دولةً كانت لا تنفذ إلا عبر دبلوماسييها، بنقل وجهات النظر، وشرحها لنظائرهم. فهذه الفئة بمختلف اسمائها وقاماتها تمثل تاريخا سياسيا عابرا للمملكة. فكل دبلوماسي شهد أحداثاً سياسية معينة، وعايشها، وعمل في ملفاتها المختلفة الإقليمية منها والدولية.

يدوّن الكاتب سيرته للوطن ولأبناء هذا الوطن. فحق على أبناء شعبه ومجتمعه أن ينقل لهم تجربته المليئة بالإنجازات تارة والعثرات تارة أخرى، وألا تدّون للتاريخ وحسب إنما للوطن الذي يدين له. فالأجيال القادمة، ستكون بأمسّ الحاجة لمعرفة دبلوماسييها وممن شهدوا مراحل سياسية مختلفة، والتعلم أيضاً من تجاربهم، للمضي قدماً وتحقيق النجاح والسعي نحوه.

هذه المقالة دعوة صريحة لدبلوماسيي السلك، ممن ما زالوا على رأس العمل، والمتقاعدين الذي غادروا وزارة الخارجية، ألا يتأخروا لحظة بالبدء بتدوين تجاربهم وسيرهم الشخصية والعمل على نشرها.

Majed_tam @