الرياض - غدير الطيار

السفير العراقي الجنابي لـ اليوم:

تشهد العلاقات بين المملكة والعراق تطورات مهمة وبشكل خاص مع وصول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خاصة أن معظم المسؤولين العراقيين يؤكدون على عمق العلاقات بين البلدين على المستوى الرسمي والشعبي، معتبرين أن المملكة عمقهم العربي، وفي الوقت ذاته كانت المملكة طوال تاريخها حريصة على العلاقة مع العراق في كل المراحل والظروف التي مر بها، انطلاقا من مسؤوليتها تجاه الأشقاء ليس في العراق وحسب بل تجاه كل الدول العربية.

«اليوم» التقت السفير العراقي في الرياض قحطان الجنابي، وأجرت حوارا مطولا معه حول العلاقات بين البلدين الشقيقين.

كيف تقيمون تطور العلاقات بين المملكة والعراق بعد عقد أعمال الدورة الثالثة للمجلس التنسيقي العراقي السعودي؟

- لا بد أن نبين أن المرحلة السابقة التي شهدت انفتاحا متبادلا بين العراق والمملكة أثمر تشكيل المجلس التنسيقي العراقي – السعودي، وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم في مختلف المجالات، ولكن لأسباب خارجة عن إرادة الطرفين نتيجة لبعض الأحداث الداخلية التي شهدها العراق فإن هذه النتائج الإيجابية لم تترجم على أرض الواقع بالشكل المطلوب، وحرصت الحكومة العراقية الجديدة برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي على إعطاء أولوية لتفعيل العلاقات مع المملكة باعتبارها العمق العربي الرئيسي والمهم للعراق، بالإضافة إلى القواسم الدينية والعشائرية والثقافية المشتركة بين البلدين الشقيقين، وهي رؤية منسجمة مع رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعقد اجتماع الدورة الثالثة للمجلس التنسيقي العراقي- السعودي أعطى زخما قويا لتفعيل ما تم الاتفاق عليه سابقاً.

كان رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بصدد زيارة المملكة وأجلت بسبب دخول الملك سلمان إلى المستشفى هل حدد موعد جديد؟

- مما لا شك فيه أن اختيار دولة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي للمملكة كأول محطة لزياراته الخارجية له دلالة واضحة في مدى الأهمية التي ينظر إليها العراق لعلاقاته مع المملكة وحرصه على تطويرها ودفع عجلة التعاون في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والثقافية، وحيث إن الزيارة تأجلت، إلا أن القيادة السعودية أوضحت أنه سيتم تهيئة موعد في القريب العاجل بعد خروج خادم الحرمين من المستشفى، وأن سبب التأجيل هو رغبة القيادة السعودية في التركيز على الزيارة وإنجاحها وتحقيق إنجازات مثمرة للبلدين خلالها.

كيف ينظر العراق إلى جهود المملكة في تحسين علاقاته العربية والدولية؟

- العراق يرحب بالجهود الخيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتحسين العلاقات الثنائية العربية والدولية، فالعمق العربي هو منظور إستراتيجي مهم لكل الدول العربية، ويجب تحقيق حالة الانسجام بين الدول العربية لتوحيد المواقف وتقوية الصف العربي ثم الانفتاح وتطوير العلاقات مع مختلف دول العالم، فالتعاون الدولي هو أساس في تحقيق السلم والأمن الدوليين وتحقيق الرخاء الاقتصادي لكافة الدول.

ماذا تعني قمة العشرين للعراق؟

- العراق جزء من المنظومة الدولية، وهو يسعى لإعادة بناء اقتصاده الوطني وبالرغم من المشاكل الاقتصادية التي عانى منها بسبب نتائج سياسيات الأنظمة الدكتاتورية السابقة ومواجهة الإرهاب بمختلف صوره البشعة إلا أنه في نفس الوقت هو من كبريات الدول المنتجة للنفط وله تأثير مهم في استقرار أسعار النفط الذي هو عماد الاقتصاد العالمي، لذلك فإن العراق يتابع مخرجات قمة العشرين بشكل دقيق للاستفادة منها والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد العالمي.

ما رأيكم في دور المملكة بقيادة مجموعة العشرين مع جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية؟

- لا شك أن المملكة برؤيتها الاقتصادية الفريدة تمكنت من ولوج هذه القمة كعضو فاعل، وتكليفها برئاسة قمة العشرين هو مبعث فخر لكافة الدول العربية، ولعل ما أصاب العالم من أضرار اقتصادية جسيمة بسبب جائحة كورونا أظهر قدرة المملكة على الرئاسة الفعالة لمجموعة العشرين، حيث حفزت الدول الكبرى للمبادرة والإسراع بوضع خطط اقتصادية عالمية لمواجهة هذه الجائحة وتقليل آثارها على المستوى الدولي، ونعتقد أن المملكة تبذل جهودا كبيرة على المستوى الدولي للعبور بالعالم من جائحة كورونا وإعادة عجلة الحياة للدوران من جديد.

كيف تقيمون علاقة المملكة مع دولة العراق؟

- رحبت المملكة بالحكومة العراقية الجديدة برئاسة الكاظمي على كافة المستويات عززها سمو ولي العهد باتصال هاتفي بدولة رئيس الوزراء وتوجيه أول دعوة خارجية له لزيارة المملكة، ورحب دولته بالدعوة واعداً بتلبيتها في أقرب فرصة ممكنة.

هذه التطورات الإيجابية لها جذور بين البلدين الشقيقين، فيجب ألا ننسى في موضوع العلاقات العراقية السعودية العمق التاريخي والجغرافي والديني، فالعراق والمملكة بحكم كونهما بلدين عربيين مسلمين بالإضافة إلى أنهما دولتان متجاورتان فإن هناك روابط القرابة العشائرية والأسرية، وتاريخياً كان العراق ملاذا عندما تتعرض مناطق المملكة للقحط، وهجرة العشائر بين البلدين كانت أمرا معروفا، لذا نشأت روابط أسرية بالإضافة إلى العشائرية عززت من أواصر الترابط والمحبة بين شعبي البلدين، واليوم فإن العراق والمملكة تمكنا من بناء أسس متينة لعلاقات ثنائية أخوية بين البلدين، وزار المملكة رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي وعادل عبدالمهدي وتم إرساء أسس ثابتة ومؤطرة قانونياً.

ما الآليات التي تقررت لتطوير العلاقة بين المملكة والعراق؟

- تم تأسيس مجلس التنسيق العراقي- السعودي الذي هو ثمرة جهود قيادة البلدين لضمان بناء علاقات ثنائية مثمرة ومتطورة، والمجلس عقد اجتماعات دورية ووضع خططا لاستثمارات سعودية طويلة المدى في العراق تعزز وتطور الوضع الاقتصادي للعراق وتكون لها في نفس الوقت عوائد إيجابية أيضا للمستثمرين السعوديين، وفعلاً باشرت بعض الدراسات والتهيئة لبعض المشاريع المهمة في العراق، ونشير إلى رغبة من كبريات الشركات السعودية كأرامكو وسابك في مجال النفط والتعدين، وشركات أخرى في مجال الاستثمار الزراعي كشركة سالك بمباشرة استثمارات ومشاريع ضخمة في العراق، ونتوقع أن هذه الخطوات ستفعل بشكل أسرع بعد انتهاء جائحة كورونا.

خلال هذه المرحلة هل حدث تعاون محدد بين المملكة والعراق؟

- نعم، العراق والمملكة عضوان فاعلان في أوبك ومن كبار منتجي النفط في العالم وهناك تنسيق مباشر بين البلدين من خلال وزير النفط العراقي السيد إحسان عبدالجبار ووزير الطاقة السعودي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان لتوحيد المواقف في سياسة الإنتاج وضمان التزام كافة الدولة المنتجة باتفاق «أوبك +» لإعادة الاستقرار لأسعار النفط وبالتالي ضمان عدم حدوث انهيارات جديدة تؤثر على اقتصاديات الدولة المنتجة للنفط.

ما آخر تطورات معبر عرعر بين البلدين؟

- بذلت جهود كبيرة خلال السنة الماضية، وعقدت عدة اجتماعات مشتركة لغرض تهيئة المعبر وفتحه، وقامت المملكة بتجهيز المعبر ليكون مؤهلا لعملية سفر الحجاج والمعتمرين والتبادل التجاري، ولكن نتيجة لجائحة كورونا تم تأجيل افتتاح المعبر، ولقد تم مناقشة هذا الموضوع في اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس التنسيقي العراقي- السعودي، ويتوقع أن يتم الافتتاح في أقرب وقت ممكن بإذن الله وسيكون رابطا كبيرا بين البلدين حيث سيسهل تسيير حملات الحج والعمرة من العراق وسيفتح الطريق أمام وصول المنتجات السعودية إلى العراق وسيكون له دور مؤثر في تشجيع الشركات السعودية للاستثمار في المجال الزراعي والصناعي لتأمين احتياجات المملكة من العراق، وأؤكد على أن هناك رؤية ثابتة بين البلدين لفتح المعبر وتطوير العلاقات الثنائية بشكل عملي وإستراتيجي، ولا بد من ذكر أن المعبر أصبح تقريباً جاهزاً للافتتاح لذا نتوقع أن يفتتح في القريب العاجل.

ما مستويات التعاون الاقتصادي بين السعودية والعراق؟

- قدمت المملكة قروضا لإعادة إعمار العراق، وتمت مباشرة مشاريع لبناء مستشفيات في وسط وجنوب العراق، وتدرس الحكومة العراقية استثمار القروض السعودية في إعادة بناء البنية التحتية في مناطق مهمة من العراق خصوصاً تلك التي نالها الإرهاب الداعشي بالتخريب والتدمير، وبالنسبة للقطاع الخاص السعودي فإنه دخل السوق العراقية بشكل جيد، والمجلس التنسيقي العراقي السعودي يعمل على وضع خطط لتشجيع الشركات السعودية الكبرى على الاستثمار في العراق، وفعلا بدأت الخطى الأولية بشكل جيد نتوقع أن تزداد وتيرة العلاقات الاقتصادية بعد تجاوز جائحة كورونا وفتح معبر عرعر.

ونذكر نتائج اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس التنسيقي العراقي- السعودي الذي عقد في الرياض للفترة 19-20/‏7/‏2020 كانت جداً مثمرة، وتم تفعيل العديد من الاتفاقات السابقة في مختلف المجالات سواء على مستوى الاستثمارات السعودية المباشرة في العراق في مختلف المجالات، بالإضافة إلى المباشرة بتهيئة الأرض لبناء هدية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لبناء ملعب رياضي في العراق، واتفاقات عديدة في مجال التعاون الثقافي والزراعي ومجالات الطاقة.

ما تداعيات دحر العراق لـتنظيم داعش الإرهابي؟

- كما هو معلوم لقد تعرض العراق لهجمة شرسة من تنظيم داعش الإرهابي الذي تمكن من فرض إرهابه وسيطرته على أجزاء واسعة من العراق، ولكن الشعب العراقي بقواته المسلحة بمختلف صنوفها كانت رأس الحربة في مواجهة إرهاب داعش وبدعم من تحالف دولي واسع، وتمكن العراق بعد حرب ضروس ضد الإرهاب الداعشي أن يدحر هذا التنظيم ويكشف جرائمه الإرهابية بحق أبناء الشعب العراقي ويفضح أفكاره الأيديولوجية الشاذة وينهي أسطورته المزعومة بأنه تنظيم لا يقهر، فدحر العراقيون هذا الفكر الظلامي وأدواته وحرروا أرضهم مما أكسبهم احترام كل دول العالم وخصوصا دول الجوار التي قدرت تضحيات العراقيين لدحر الإرهاب، وهنا نشير إلى نتائج أخرى لهذه المواجهة مع الإرهاب، فالعراق تحمل مليارات هائلة للحرب ضد الإرهاب، كما أن التنظيم المجرم خرب وهدم بنى تحتية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، لهذا فإن العراق يطمح لأن يحصل على الدعم الدولي لإعادة بناء اقتصاده؛ كونه كان خط المواجهة الأول مع الإرهاب وحمى دول العالم كافة من تمدد هذا التنظيم الإجرامي.

كيف يمكن أن تختم هذا الحوار؟

- لا بد أن نبين أنه على الرغم من المصاعب الاقتصادية التي يعانيها العراق، فالعراق غني ليس بالنفط فقط بل بموارد شتى، وخصوصاً الكوادر البشرية المؤهلة، بالإضافة إلى نعم كثير حباه الله بها كالغاز والفوسفات والمعادن والثروة الزراعية، ومن الجانب الآخر فإن المملكة لديها الشركات التي تملك الخبرات العالمية والإمكانيات المادية والمعرفية لذا فإن التعاون بين البلدين سيحقق مكاسب كبيرة لهما وسيضع العراق على طريق النهضة الاقتصادية لإحياء صناعاته ودعم الزراعة وخلق فرص عمل وتحقيق الرخاء وسيكون عمقاً استراتيجياً للمملكة يعزز من قدرات استثماراتها وصناعتها بالشكل الذي يجعل الشركات السعودية في العراق قادرة ليس فقط على تغطية احتياجات السوق السعودية وإنما توسيع منافستها وحصتها في السوق الدولية. ولذا فإن العراق يتطلع بشكل عملي إلى تحقيق قفزة نوعية في العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات تحقق فائدة لكلا البلدين الشقيقين.

روابط دينية وعشائرية وثقافية مشتركة بين البلدين الشقيقين

العمق العربي منظور إستراتيجي مهم لكل الدول العربية

العراق يسعى لإعادة بناء نفسه رغم المشاكل الاقتصادية

المملكة تساعد في إعادة إعمار العراق وبدأت بناء مستشفيات