خالد السعيدي

أحيانا يحدثك شخص عن فكرة جميلة يستحيل نجاحها أو تطبيقها، لكنك تستمع إليه احتراما لأسلوبه والتشويق المصاحب لفكرته.

وأجد نفسى حائراً ومندهشاً مما طرحه الكاتب والأستاذ: توفيق السيف في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 2020/8/12 والذي طرق فيه لباب التعليم عن بُعد، ولستُ ممن يصادر أفكار الآخرين ومقترحاتهم، وأؤمن بحرية الرأي والرأي الآخر، إذا كانت الفكرة ملهمة وواعدة في المستقبل المنظور.

وأتفهم جيدا حرص كاتبنا على العملية التعليمية في المملكة العربية السعودية، وأثمن ما يقدمه قلمه الرائع في توعية الناس، ولو كانت بعض أفكاره فلسفية لا تتواءم مع الواقع الذي نعيشه. وهذا الرأي تحدث عنه الكثير من الفلاسفة، الذين يرون أن التعليم الإلزامي ما هو إلا مظهر من مظاهر الاعتداء على حريات الأفراد، والذي يحمل في عمقه روحاً تسلطيّة، إذ كيف يُجبر طفل على الجلوس في مكان واحد، كل يوم ولست ساعات متواصلة، يتخللها استراحة لبرهة وجيزة، وبعدها يتم العودة إلى مقاعد الدراسة! وهذا الرأي تبناه الفيلسوف إيفان إليش، وأجده متشابها في مضمونه مع رأي وفكرة كاتبنا.

طرح الكاتب سؤالا جميلا جداً ورائعا: هل هناك علاقة جوهرية بين التعليم والمباني المدرسية؟ ووضع أجوبة على لسان مواطنين لم تتح لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم! فكر نيابة عنهم وأجاب! ولم ينصفهم حيث كانت أجوبتهم وتساؤلاتهم التي ابتدعها بعيدة كل البعد عن واقع الحال، وذلك لتدعيم فكرته.

حسناً سأحاول أن أختصر الإجابة عن سؤالك.

نعم هناك علاقة جوهرية بين التعليم والمباني المدرسية، قد لا تراها من خارج المباني الإسمنتية، هناك روح وعمل وانضباط وقيم تُغرس وسلوكيات اجتماعية نافعة تكتسب، ومواهب تصقل، وخوف ينتزع، وتردد وخجل ينتهي، لا تشعر بها ولن تستطيع الإحساس بها ما لم تكن في ميدان التعليم، أو متابعا منصفا لهذا العمل الجبار.

للمدرسة أهمية كبيرة بإلإضافة إلى أنها منهل للعلم والثقافة، فهي أيضا بناء لشخصية الطفل يكتسب من خلالها الخبرات الاجتماعية والحياتية، وتنمي قدارته، وتزرع به الثقة التي تجعله يعتمد على نفسه، وهي أيضا مكان لتكوين الصداقات والذكريات، فليس أجمل وأبقى من صداقات أبناء الصف الواحد، الذين يتشاركون همومهم وأفراحهم ويتشاركون في دروسهم وواجباتهم، الكل منا يا أستاذي له ذكريات جميلة في المدرسة، لن نستطيع أن ننساها مهما طال بنا العمر. ولكن هذا لا يعني أن التعليم لا يحتاج إلى تطوير، بالعكس فنحن أكثر حاجة لتطوير التعليم، وأهمها تطوير البيئة التعليمية حتى تكون بيئة جاذبة ومحفزة لا منفرة، تتوافر فيها جميع وسائل التعليم الحديثة، لا أن نستغني عنها وننفيها! نعم نحتاج إلى التغيير في أساليب التدريس التقليدية، إلى أساليب التدريس الحديثة القائمة على النشاط، والتي تمنح المتعلم مساحة أكبر للمشاركة في العملية التعليمية، على أن يكون المعلم ميسراً لهذه العملية دون أن يحتكرها وأن يقوم بتوجيههم وتشجيعهم.

على كل حال..

تمنيت من كاتبنا القدير لو أنه طالب بتكثيف الاهتمام وتركيز الجهود، في توفير جميع السبل الممكنة في تهيئة المباني المدرسية، لتكون مجهزة بمسارح متكاملة، ومراسم مجهزة بجميع الأدوات الفنية، ومكاتب عامرة وزاخرة، ومعامل علمية جاهز لإظهار مواهب الطلاب المتنوعة، أحسب أن المفهوم قد اتضح الآن. ولعلي أعود لتفصيل بعض النقاط في وقت لاحق.

@kha9966