وفق نظرية النظم فإن العملية التعليمية هي تماما مثل أي عملية من عمليات الإنتاج من حيث عناصرها الرئيسة المتمثلة في المدخلات والعمليات ثم المخرجات والتغذية الراجعة والتي تتم على أساسها عمليات المراجعة والتحسين والتطوير، ومدخلات العملية التعليمية أهمها هي الطالب والمعلم والأسرة والمحتوى الدراسي وعمليات التقوبم، ولكل عنصر من هذه العناصر أهميته ودوره الذي ينبغي العناية به جيدا حتى تحقق هذه العملية الأهداف المرجوة منها، وفي جميع الأحوال فإن تطبيق نظرية النظم في المجال التعليمي والتربوي لا ينبغي أن ينسينا البعد الإنساني الخاص بهذه العملية والذي يميزها عن عمليات الإنتاج الأخرى على أهمية هذه العمليات وضرورتها. ومما ينبغي قوله في هذا المجال أن دور كل مدخل من هذه المدخلات ينبغي أن يكون دورا مرنا يستجيب للظروف المحيطة بالمجتمع ككل، وبالعملية التعليمية بوجه خاص ويتكيف معها بما يحقق أهداف هذه العملية وغاياتها في جميع الظروف والأحوال، ومن هنا وجدنا هذه الجهود الكبيرة التي تبذلها دول العالم أجمع وبلادنا من أكثرها جهودا في ذلك المجال للتعامل مع الجائحة وتقليل آثارها السلبية على الطلبة وعدم فوات الفرصة لهم في التعليم، وفي نفس الوقت حفظ الأنفس وعدم تعرضها للأخطار التي قد تنجم عن عدم الالتزام بالتباعد الجسدي في الصفوف والساحات المدرسية ووسائل المواصلات من وإلى المدرسة. وكما قلنا سابقا فإن المفاجأة التي واكبت التحول السريع للتعلم عن بعد خلال الفصل الثاني من العام الدراسي الماضي قد تبرر الملاحظات والسلبيات التي تم رصدها على تلك المرحلة لكننا في العام الدراسي الجديد معلمين وآباء وأمهات وكذلك قيادات مطالبون أن يكون التطبيق هذا العام أكثر نجاحا واستفادة من تجربة الفصل الدراسي الماضي، ولعل أول ضرورات ذلك هو أن يعي كل طرف من أطراف العملية التعليمية دوره، وأن يقوم به على أكمل وجه، وهو ما لا نشك في حرص الجميع عليه. ومع أهمية أدوار الأطراف الأخرى فإن دور الطالب في الاستجابة لتحدي آثار الجائحة هو الدور الأهم في هذه العملية إذا كنا نريد أن يكون التعلم الذاتي هو الإستراتيجية التي نطبقها لقناعتنا أنها الأسلوب الأكثر تأثيرا في شخصية الطالب وإعداده للحياة، مع وعينا بتطور هذا الدور وتغيره تبعا للمستجدات التربوية الحديثة التي لم يعد الطالب فيها متلقيا فقط، بل مشاركا في السعي على صناعة المعرفة واكتساب المهارات، فلم يعد دور الطالب هو تلقي المعرفة والوصول إليها فقط، بل لا بد أن يكون مشاركا متفاعلا يسأل ويعلق ويبدي رأيه ويبحث عن المعرفة في مصادرها ويقارن ويرجح، وهي تفاعلات إيجابية ساعدت التقنية في إتاحة الفرصة لحدوثها من خلال التعليم الإلكتروني الذي ولحسن الحظ شهدت مدارسنا تحولا لا نقول كاملا إليه في السنوات القليلة الماضية، مما ساعد إلى حد ما في التكيف مع التحول المفاجئ للتعلم عن بعد الذي حصل مع الجائحة، وترسخ مفهوم التعلم الإلكتروني الذي يتطابق مفهومه إلى حد كبير إذا لم يكن تاما مع مفهوم التعليم عن بعد باعتبار أهم مظاهره هو حدوث عملية التعلم مع وجود بعد جغرافي ومكاني بين المعلم والطالب بدءا من استخدام الوسائط الإلكترونية المتاحة وصولا إلى الخروج عن المكونات المادية التقليدية للتعليم من خلال التحول إلى المدرسة الذكية والفصول الافتراضية التي يتم من خلالها التفاعل بين أطراف العملية التعليمية عبر شبكة الإنترنت بحيث ينتقل التعلم من عملية التلقين إلى عملية حوارية تفاعلية وبالتالي فإن مسؤوليات الطالب في هذا النوع من التعلم هي مسؤولية أكبر منها في التعليم التقليدي وذلك عن طريق الاستكشاف والتعبير والتجربة. ومما يعظم مخرجات التعلم أيضا أن يسبق دور الطالب عملية التعلم من خلال اطلاع الطالب مسبقا على المادة العلمية التي يكون المعلم قد أعدها، وأتاحت المنصة له الاطلاع إليها، وبهذا يكون لديه تصور عن الدرس يمكنه من مناقشة المعلم أثناء الدرس مما يعمق الفهم لديه ويجعل التعلم أكثر تأثيرا.. وباختصار فإن وعي كل طرف لدوره وقيامه به فإنه سيجعل هذه التجربة فرصة لخلق روح الإبداع والتحفيز على التفكير، ويعود الطلاب على تحمل المسؤولية، كما أن تنوع الوسائط والآليات والإستراتيجيات الموظفة فيها يعطي الطالب الفرصة لخيارات عديدة تمكنه من الاستجابة ليس لتحديات ظروف الجائحة بل مستقبله أيضا بعون الله.
@Fahad_otaish
@Fahad_otaish