فيصل الخريجي

للحوكمة مفهومها العميق ومعانيها المتعددة والمتفاوتة من حيث المستوى والسياق؛ إلا أن جميع مفاهيمها وسياقاتها تتكامل لتحقيق النزاهة والحماية والاستقلال ومكافحة الفساد، فعلى مستوى الوزارة والهيئة والشركة والمؤسسة: هي مجموعة قواعد تعزز قيم المراقبة، وتتلافى سلطة احتكار القرار، وتدعو للإفصاح عن الأرقام والميزانيات وشواغر الوظائف، وعن القرابات والشراكات والمصالح المتعارضة، وإلى تفعيل دور لجان المراجعة المستقلة. وتأتي الحوكمة أيضًا بمدلول تكاملي آخر على مستوى الجهات الرقابية من خلال تعزيز سلطتها في تدقيق ومراجعة سلامة تطبيق إجراءات الحوكمة في الوزارات والهيئات والشركات والمؤسسات. ثم يأتي الدور التكاملي الأكبر والموازي للجهات الحكومية والمتمثل في جهات النفع العام غير الهادفة للربح، والتي تُعرف بمؤسسات المجتمع المدني، كمجلس الغرف السعودية، والغرف التجارية والصناعية، والتي تمثل دورا محوريا يكرس قيم الحياد والنزاهة والاستقلال، وسماع صوت قطاع الأعمال وحقوق الإنسان المنبعث من أعماق المجتمع المدني من خلال ممثليه، وقدرة تلك المؤسسات المستقلة على التأكد من أن ممثليها ينقلون بصدق صوت قطاع الأعمال وصوت حقوق الإنسان بصورة فعلية دون أي مؤثرات، وهو أمر إيجابي لسمعة المملكة على الصعيدين المحلي والدولي، ويعزز جودة أداء الحكومة الداخلي. لكن الملاحظ مؤخرا قيام بعض الوزارات والهيئات باستصدار تنظيمات تخولها تعيين ممثلي القطاع الخاص في اللجان ومجالس الإدارات التابعة لها بتوصية من المسؤول، ولكن الشخص المعين لن يستطيع غالبا مخالفة توجهات ذلك المسؤول الذي رشحه للتعيين، فبالتالي لن يستطيع نقل صوت قطاع الأعمال المحسوب عليه، والتعيين لا يعني استقلاله بل يؤكد تبعيته للجهة الحكومة التي رشحته، وتأثره بها، وبغياب مرجعية قطاع الأعمال عنه؛ لذا فإن المعين لن يصمد أمام سطوة المسؤول الذي ساهم في تعيينه وله القدرة على التوصية بإعفائه، ولن يستطيع القول إنه ممثل لقطاع ويدعم المقترحات التي تتناغم مع قيم ومبادئ هذه الجهات، وقد يكون الأمر أشد خطرا بتغييب ممثل قطاع الأعمال عن أمر يمس جوهر أعمالهم ونشاطهم.

falkhereiji @