د. جاسم المطوع

جمعت (6) أسباب رئيسية لإنتشار الإلحاد بين شبابنا وبناتنا من خلال حواري معهم، ومن يراقب الخريطة الفكرية خلال عشر السنوات الماضية يدرك أن ظاهرة الإلحاد في تنامٍ، على كل المستويات، والإلحاد هو مذهب فكري ينفي وجود خالق للكون، كما أن الإلحاد موجود منذ القدم، وقد وردت آيات كثيرة في الحوار مع منطق الملاحدة بالقرآن منها قوله تعالى (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون..)، ولكن المختلف في زماننا اليوم أن الإلحاد صار مدعوما من مؤسسات تعليمية وإعلامية واقتصادية، وحتى على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وأفلام الكارتون.

فالحفاظ على هوية أبنائنا وثقافتهم اليوم يحتاج لجهد كبير ووعي عال، وأول الأسباب الستة لإنتشار الإلحاد بين الشباب والفتيات هو انفتاح أبنائنا على شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات الأفلام، وقد أخبرني أكثر من شاب بأنه تعرف على ملحدين أقنعوه بالأفكار الإلحادية من خلال تعرفه عليهم بشبكات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، وكثير منهم تأثروا بالأفكار المطروحة في المسلسلات والأفلام عبر مواقع النت، ولعل من يراقب الإنتاج في آخر عشر سنوات يلاحظ الكم الكبير من الأفلام التي تدعو لنكران وجود الخالق وتعظيم دور الإنسان وجعله كل شيء.

والسبب الثاني ضعف الآباء والأمهات في الحوار مع الأبناء عندما يطرحون عليهم تساؤلات وأفكارا بعيدة عن الدين والمنطق فلا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه الأفكار، وأغلب الآباء إما يجيب بتحقير هذه الأفكار الإلحادية وتسفيهها، أو يعبرون عن رفضها بغضب وعصبية، وكلا التصرفين ليس فيهما علاج للمشكلة، لأن الفكر يعالج بالفكر وليس بالصراخ والاستهزاء، فإذا كان الوالدان لا يحسنان الحوار فالأفضل أن يستعينا بشخص ثالث لحوار ابنهما.

والسبب الثالث فرحة الوالدين باتقان ابنهما اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية وبالتالي صار الابن يقرأ الكتب الأجنبية والتي فيها أفكار كثيرة تدعو للإلحاد، وصارت علاقته بالقرآن والسنة والسيرة ضعيفة جدا بسبب ضعف لغته العربية أو بسبب ضعف الثقافة الدينية عند الوالدين، فأبناؤنا يدرسون الإسلام في المدارس على اعتبار أنه تاريخ، وينظرون للدين بأنه للكبار فقط، ونحن لا نمانع إتقان اللغة الإنجليزية ولكن بشرط عدم إهمال اللغة العربية ومعرفة الابن لدينه وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم.

والسبب الرابع هو حصر التربية الدينية على العبادات فقط من غير أن يتم تربية الأبناء على العقيدة والفكر، فترى الآباء يشددون كثيرا على الصلاة والصيام وهي مهمة، ولكنهما يهملون التربية الدينية والفكرية، فالتعرف على الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله وأركان الإيمان وفهم أقدار الله كلها من التربية الفكرية التي تحافظ على تفكير الأبناء من الانحراف الفكري، كما أن الآباء يفتقرون لأسس الحوار والنقاش ويريدون من الأبناء أن يطيعوهم طاعة عمياء وهذا ظلم وسوء تربية.

والسبب الخامس وهو التفكك الأسري وسوء التربية من الوالدين، فأكثر الشباب الذين أتحاور معهم بخصوص الإلحاد يعترفون لي بأنهم اختاروا الإلحاد هروبا من سوء التربية الدينية في البيت، ومن الإحباط الذي يعيشونه بسبب تفكك الأسرة، أو بسبب أب مدمن أو أم مهملة وسلوكها سيئ.

والسبب السادس وهو تأثير المناهج التعليمية التي يدرسها أبناؤنا في المدارس الأجنبية والخاصة، فتدريس نظرية (دارون) من معلمين يؤمنون بها ويسوقون الإلحاد للطلبة، علما بأن (دارون) نفسه كان مؤمنا ولم يكن ملحدا، وقال إن كل هذه الأشياء البديعة بالكون لم تحدث بمحض الصدفة، فهذه الأسباب الستة تحتاج لجهود كبيرة لمواجهتها حتى نحمي أبناءنا من موجة الإلحاد.

@drjasem