لمى الغلاييني

لو كنت شخصا فريدا ونادرا في مهاراتك ولا يوجد لك مثيل إلا واحد فقط بين كل مليون إنسان، ولكنك نشأت في بومباي أو الصين، فسيكون هناك المئات أشباهك، ولن تكون كذلك الرياضي المتوج كبطل لكرة السلة في قريته الصغيرة، فمعظمنا يعيش في المدن الكبرى، ومتصلون رقميا بالسبعة مليارات الذين يعيشون على وجه الأرض، مما جعل التسلسل الهرمي لإنجازاتنا الحالية رأسيا ومتزايدا لحد مذهل، فأيا كانت براعتك في شيء ما، وأيا كانت إنجازاتك، فثمة شخص ما في العالم حولك سوف تجعلك المقارنة به بليدا فيما تفعل، ولو تمتعت بثروة طائلة بما يكفي لتمتلك يختا كبيرا فهناك من يملك أسطولا من اليخوت، وحتى ممثلات هوليود الأشد جمالا يعشن في توجس دائم خوفا من ظهور سنوايت جديدة تخطف الأضواء منهن، فماذا عنك وعن مهاراتك المحدودة، وحياتك المملة، وجسدك الأكثر بدانة من أصدقائك، وكيف ستتعامل مع ذلك الصوت الناقد الساكن بداخلنا، والنزاع دوما لعرض قضيته الصاخبة بشراسة وصوت عال، والذي يصعب علينا إسكاته، لاعتراضاته المستمرة على جهودنا المتواضعة وانعدام القيمة، بحجة أن تواضع المستوى له عواقب وخيمة، وأن القاع ليس بالمكان الصالح للبقاء، ولذلك فهو يكسب المعركة باقتدار، وينسج بإتقان حكاية مدمرة سوداوية، أبطالها ضعف الذات وسخرية الحياة، ولهذا فلا بد من تعلم حيلة بديلة نتغلب فيها على شراسة ذلك الناقد الداخلي، دون أن نقع في حبال بائعي الوهم وصفقات التطوير السريعة، بالتخلص أولا من معايير الأفضل والأسوأ، والالتفات لقناعة التمسك بقيمة الإنجاز الشخصي، والتحرر من تعميمات النجاح والفشل، التي تفترض أنك إما ناجح متفرد متفوق، وإما كائن سيئ سلبي، فمثل هذه التعميمات علامة على تحليل ساذج، لأن معاني الوجود طيف كامل، وتدرجات لا محدودة للقيمة، وطمس ذلك النظام الكوني ستكون له عواقب وخيمة، فحياتك ليست عبارة عن لعبة واحدة تنجح أو تفشل فيها، بل تحتوي العديد من الألعاب الجيدة التي تناسب مواهبك، وتجعلك تشارك على نحو مثمر مع أناس آخرين، وتتطور وتتحسن قوانينها مع مرور الوقت، والعالم يسمح دوما بطرق عديدة لإبراز كينونتك، إذا لم تنجح في إحداها، يمكنك أن تجرب شيئا آخر يتوافق على نحو أفضل مع المزيج الفريد المكون من نقاط قوتك، وظروفك، وخبراتك السابقة، كما أنه من غير المنطقي أن تختصر تعريفا بحياتك بلعبة واحدة فقط، فلديك مهنة وأفراد أسرة، ومشاريع شخصية، ومحاولات إبداعية، واهتمامات رياضية، وعلاقات اجتماعية، ولا بد أنك تحرز نقاطا من هنا وهناك لا بد أن تحتسبها في رصيدك، ويظل الأهم أن تدرك أن كل الألعاب التي تلعبها ذات تفاصيل فريدة للغاية، وخاصة بك وحدك، ومقارنتك بالآخرين خاطئة وسامة جدا، وربما تبالغ في تقدير قيمة ما لا تملكه، وتبخس قيمة ما تملكه، ولهذا لا بد من تناول جرعة يومية صباحية من الامتنان.

LamaAlghalayini@