تأسست في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2019م، ليست عريقة، إلا أنها عالمية، وتعد جامعة لما جمعت من متضادات ومفارقات، ملأت الدنيا وأشغلت الناس، وبقيت بلا هوية حتى أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية «تيدروس» عن تسميتها بـ «كوفيد 19» في فبراير 2020م، مبينا أن «كو» من «كورونا» و«في» من «فيروس» و«د» بمعنى داء من «disease»، أما رقم «19» فهو عام النشأة.
ولم تكن تلك الجامعة تنتظر إعلان التسمية العلمية لها كي تنال شهرتها ومكانتها، فقد سابقت الزمان والمكان وبلغت الآفاق، فطوقت العالم بأسره، وفجع الناس بهول وقعتها، منهم من يحكي المؤامرة، وآخر يجزم بأنها عقوبة إلهية ماحقة، وثالث يراها قصة عابرة، ورابع لا يراها بل يكفر بها، ففزع الناس مفجوعين بآمالهم إلى الكذب كما فزع المتنبي في رائعته إذ قال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر *** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا *** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وكما أنها «جامعة» فهي مفرقة للجماعة، فأساتذتها لا يرون بالعين المجردة، ويقتلهم الصابون، ويفنيهم التباعد، لكنهم أرعبوا الكون، وأربكوا الدول والمنظمات، فسكن العالم أجمع، والتزم الناس منازلهم، وأصابهم رهاب الشوارع، وهلع التجمعات، وشلل المواصلات، فتعطلت الموانئ وخشعت الطائرات وتوقفت حركة الحياة، وانهار الاقتصاد كجلمود حط من عل، ومع ذلك كله نقول: «رب جائحة مانحة».
جائحة فرضت حظرا ضاقت به علينا الأرض لتتنفس، فبدت قنوات البندقة صافية لأول مرة في تاريخها، واستردت السماء شيئا من عافيتها بتراجع انبعاث الغازات السامة بنسب مذهلة تصل إلى 50%، كثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، لم تسجل حتى في سنوات الحرب العالمية الثانية، مما أعاد للحياة الحياة، وتقيد الإنسان، فانطلق الحيوان وله أيطلا ظبي وساقا نعامة، والأيل يهتز كالغصن ويمشي كالحمامة، والطير قبل الغداة يغرد في وكناته، والريم يلعب على القاع بين البان والعلم، والوحش يستنجد به أن أدرك ساكن الأجم.
مشهد مهيب أشبه ما يكون بالفيلم الأسطوري، عنوانه «الفجاءة» أحداثه «غيرت قواعد اللعبة»، قصته تدور حول «تحقق العدالة» في محكمة كونية، لا حصانة فيها لمؤمن دون كافر، ولا فضل لكبير على صغير، ولا لغني على فقير، حتى الطبيب المداوي يحكم عليه بالموت أحيانا من مريضه الذي شفي، فلا عاصم ولا معصوم.
تعلمنا من مشاهد الفيلم حقيقة الدور العظيم الذي قام به أبطالنا من كل الجهات كالصحة والأمن والإعلام والتعليم وغيرهم رجالا ونساء، أفرادا ومؤسسات حكومية وأهلية، إذ كانوا ولا يزالون على قلب جسد واحد، ينبض بالعزيمة والمثابرة والبذل والتنازل والتضحية.
تعلمنا من أحداث هذا الفيلم المرعب معنى الاطمئنان، ومنزلة ما فقدناه وكانت تضيق منه أنفسنا، كمقرات الأعمال، وقاعات الدراسة، ولذة الترحال، والتسوق، والمصافحة، وأيقنا بقدرتنا على التخفف مما لا يلزمنا، وأن الأسرة هي الملجأ والملاذ الأول والأخير، وأن الجائحة جمعتنا بأهم دائرة، ليكون كل ما سواها بعدها.
تعلمنا كيف تكون السياحة احترافا، فوقفنا على بعض كنوز مملكتنا الغالية من ميناء الحضارات المتعاقبة «العقير» أول ميناء بحري على ضفاف الخليج الرائقة إلى «العلا» منبع الحضارات الأربع المتعاقبة ثمود ودادان ولحيان والأنباط 3000 ق.م، ومنها إلى مركز مسيرة القوافل «تبوك» لتعود على الساحل إلى شواطئ «أملج» الصافية ورمالها البيضاء وسلاحفها الخضراء نزولا إلى روائع حاضرة الحجاز إلى سلسلة جبال السروات وتهامة الخيرات إلى «أبها» البهية التي تعيد العجوز صبية، ومنها إلى «مملكة كندة» 600 ق.م وعاصمتها «الفاو» المتاخمة لحضارة الفروسية والصقور «المقر» والموغلة في القدم 9000 ق.م لتكون بذلك على بوابة صحراء الربع الخالي الساحرة بكثبانها الرملية الذهبية التي تناطح السماء وتغالب المغامرين، لتجد نفسك واقفا أمام جبل عظيم يتربع على قلب مملكتنا لأكثر من 800 كم ما بين اليمامة ونجد العذية، على هيئة قوس «طوق» وسمي «طويق» تمليحا، ومنه تنزل بين يدي سلة الخيرات «القصيم» لتسلمك إلى «حائل» الكرامة والضيافة بين أجا وسلمى ومثوى عنترة الأخير والصحاري المتمازجة بين الرمال والجبال في أجمل لوحات الطبيعة البديعة لمملكتنا الغالية التي احتضنت أكثر من ثلاثين حضارة.
ولم تخل تلك الوقائع والبلدان من النوادر والروائع، كأسطورة العشق «طمية» (جوليت الجزيرة) التي عشقت «قطن» لما رأته على ضوء البرق، فقفزت نحوه لتستقر بين يديه، ولا يزال مكان قفزتها فوهة بركانية تسمى بـ «مقلع طمية»، لتكون مثلا لعشق الجبال الذي تغنى به الشعراء، كوصف سمو الأمير خالد الفيصل فزة قلبه بنزعة طمية إذ يقول:
انتزع قلبي مثل نزعة «طمية» *** يوم هز العشق راسية الجبال
ساقها سوق المبشر للمطية *** لين عاشت مع «قطن» حلم الليال
تلك باختصار بعض مملكة الإنسانية التي نفاخر بها، ومهوى أفئدة البشرية، التي لم تتردد بتسخير خيراتها وقدراتها وطاقاتها البشرية والمادية، لتضرب أعظم المثل لحماية مواطنيها وكل من كان عليها مقيما أو مخالفا لمواجهة تلك الجائحة.
ولم تكن تلك الجامعة تنتظر إعلان التسمية العلمية لها كي تنال شهرتها ومكانتها، فقد سابقت الزمان والمكان وبلغت الآفاق، فطوقت العالم بأسره، وفجع الناس بهول وقعتها، منهم من يحكي المؤامرة، وآخر يجزم بأنها عقوبة إلهية ماحقة، وثالث يراها قصة عابرة، ورابع لا يراها بل يكفر بها، ففزع الناس مفجوعين بآمالهم إلى الكذب كما فزع المتنبي في رائعته إذ قال:
طوى الجزيرة حتى جاءني خبر *** فزعت فيه بآمالي إلى الكذب
حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا *** شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي
وكما أنها «جامعة» فهي مفرقة للجماعة، فأساتذتها لا يرون بالعين المجردة، ويقتلهم الصابون، ويفنيهم التباعد، لكنهم أرعبوا الكون، وأربكوا الدول والمنظمات، فسكن العالم أجمع، والتزم الناس منازلهم، وأصابهم رهاب الشوارع، وهلع التجمعات، وشلل المواصلات، فتعطلت الموانئ وخشعت الطائرات وتوقفت حركة الحياة، وانهار الاقتصاد كجلمود حط من عل، ومع ذلك كله نقول: «رب جائحة مانحة».
جائحة فرضت حظرا ضاقت به علينا الأرض لتتنفس، فبدت قنوات البندقة صافية لأول مرة في تاريخها، واستردت السماء شيئا من عافيتها بتراجع انبعاث الغازات السامة بنسب مذهلة تصل إلى 50%، كثاني أكسيد الكربون والنيتروجين، لم تسجل حتى في سنوات الحرب العالمية الثانية، مما أعاد للحياة الحياة، وتقيد الإنسان، فانطلق الحيوان وله أيطلا ظبي وساقا نعامة، والأيل يهتز كالغصن ويمشي كالحمامة، والطير قبل الغداة يغرد في وكناته، والريم يلعب على القاع بين البان والعلم، والوحش يستنجد به أن أدرك ساكن الأجم.
مشهد مهيب أشبه ما يكون بالفيلم الأسطوري، عنوانه «الفجاءة» أحداثه «غيرت قواعد اللعبة»، قصته تدور حول «تحقق العدالة» في محكمة كونية، لا حصانة فيها لمؤمن دون كافر، ولا فضل لكبير على صغير، ولا لغني على فقير، حتى الطبيب المداوي يحكم عليه بالموت أحيانا من مريضه الذي شفي، فلا عاصم ولا معصوم.
تعلمنا من مشاهد الفيلم حقيقة الدور العظيم الذي قام به أبطالنا من كل الجهات كالصحة والأمن والإعلام والتعليم وغيرهم رجالا ونساء، أفرادا ومؤسسات حكومية وأهلية، إذ كانوا ولا يزالون على قلب جسد واحد، ينبض بالعزيمة والمثابرة والبذل والتنازل والتضحية.
تعلمنا من أحداث هذا الفيلم المرعب معنى الاطمئنان، ومنزلة ما فقدناه وكانت تضيق منه أنفسنا، كمقرات الأعمال، وقاعات الدراسة، ولذة الترحال، والتسوق، والمصافحة، وأيقنا بقدرتنا على التخفف مما لا يلزمنا، وأن الأسرة هي الملجأ والملاذ الأول والأخير، وأن الجائحة جمعتنا بأهم دائرة، ليكون كل ما سواها بعدها.
تعلمنا كيف تكون السياحة احترافا، فوقفنا على بعض كنوز مملكتنا الغالية من ميناء الحضارات المتعاقبة «العقير» أول ميناء بحري على ضفاف الخليج الرائقة إلى «العلا» منبع الحضارات الأربع المتعاقبة ثمود ودادان ولحيان والأنباط 3000 ق.م، ومنها إلى مركز مسيرة القوافل «تبوك» لتعود على الساحل إلى شواطئ «أملج» الصافية ورمالها البيضاء وسلاحفها الخضراء نزولا إلى روائع حاضرة الحجاز إلى سلسلة جبال السروات وتهامة الخيرات إلى «أبها» البهية التي تعيد العجوز صبية، ومنها إلى «مملكة كندة» 600 ق.م وعاصمتها «الفاو» المتاخمة لحضارة الفروسية والصقور «المقر» والموغلة في القدم 9000 ق.م لتكون بذلك على بوابة صحراء الربع الخالي الساحرة بكثبانها الرملية الذهبية التي تناطح السماء وتغالب المغامرين، لتجد نفسك واقفا أمام جبل عظيم يتربع على قلب مملكتنا لأكثر من 800 كم ما بين اليمامة ونجد العذية، على هيئة قوس «طوق» وسمي «طويق» تمليحا، ومنه تنزل بين يدي سلة الخيرات «القصيم» لتسلمك إلى «حائل» الكرامة والضيافة بين أجا وسلمى ومثوى عنترة الأخير والصحاري المتمازجة بين الرمال والجبال في أجمل لوحات الطبيعة البديعة لمملكتنا الغالية التي احتضنت أكثر من ثلاثين حضارة.
ولم تخل تلك الوقائع والبلدان من النوادر والروائع، كأسطورة العشق «طمية» (جوليت الجزيرة) التي عشقت «قطن» لما رأته على ضوء البرق، فقفزت نحوه لتستقر بين يديه، ولا يزال مكان قفزتها فوهة بركانية تسمى بـ «مقلع طمية»، لتكون مثلا لعشق الجبال الذي تغنى به الشعراء، كوصف سمو الأمير خالد الفيصل فزة قلبه بنزعة طمية إذ يقول:
انتزع قلبي مثل نزعة «طمية» *** يوم هز العشق راسية الجبال
ساقها سوق المبشر للمطية *** لين عاشت مع «قطن» حلم الليال
تلك باختصار بعض مملكة الإنسانية التي نفاخر بها، ومهوى أفئدة البشرية، التي لم تتردد بتسخير خيراتها وقدراتها وطاقاتها البشرية والمادية، لتضرب أعظم المثل لحماية مواطنيها وكل من كان عليها مقيما أو مخالفا لمواجهة تلك الجائحة.