د. محمد حامد الغامدي

n السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه رسالتي، وقد تجاوز عمري الستة عقود. أكتبها وشخصي يرى نفسه بطلا، وشابا في ظل وطني، الكيان الكبير والعظيم. في صغري عرفت أن وطني بيت حجري في قرية تاريخية، ثم أصبح وطني مجموعة المدرجات الزراعية التراثية، المحدودة والمتناثرة على سفوح الجبال، فقالوا لشخصي: هي كرامتك وشرفك. كنت طفلا لم يشاهد غير ربوع القرية مكانا، وغير أهلها بشرا، وغير سمائها مظلة.

n ثم نقلتني المدرسة، فأبحرت بشخصي في مراحل التعليم، إلى وطن أكبر، وأعظم وأوسع. عرفت أن وطني يحمل اسما غير اسم قريتي، وله بيرق، يرفرف على سطح تلك المدارس، التي جعلت من شخصي بطلا، بجانب أبطال الوطن. وجدت أن كل مواطن يتمتع بهذا اللقب: (البطل). يكفي أن يحب الفرد وطنه، ويخلص له ليصبح بطلا. الحُب يجعل من كل فرد بطلا في مواقع مختلفة، ودرجات متعددة. بالتفاعل والتضحية، والغيرة على الوطن، يصبح الفرد بطلا.

n وطني العزيز.. أعطيت لشخصي الكثير خلال هذه العقود الستة، وأتساءل: ماذا قدمت لك أيها الوطن؟ فأشعر بالرّاحة والفخر، أن جعلتني بطلا، وجعلت من أهلك أبطالا، فأصبحنا ننظر إلى الماضي، وننعم بالحاضر ونتفاعل، ونتطلع إلى المستقبل ونرجو. وقبل أن تأتي أيها الوطن، كنّا نعيش حياة تراوح مكانها، بكل أحمال الفقر والحاجة، والجهل وغياب المعرفة، والمرض وغياب الصحة، وفوق هذا نعيش بدون منفعة فكرية، وقد جعلنا الاستعمار التركي البغيض، نعيش في منزلة عيش حياة الدواب. هذا ما تؤكده القصص الماضية لآبائنا، وأجدادنا رحمهم الله.

n وطني العزيز.. خرج أبي شابا من قريته مشيا، فقيرا حافي القدم، ومات رحمه الله، ميسور الحال، في أرقى المستشفيات، وكان أبوه قد مات بسبب الزائدة الدودية، قبل أن يرى النور. هذه الحالة توضح الفرق، ومدى عمق التغيير، لهذا أدعي بأنني بطل ابن بطل، ويكفي أن أكون بطلا بمعرفة هذا التاريخ لأبي وجدي رحمهما الله.

n وطني العزيز.. عشت طفلا في مرحلة من زمن الملك سعود، ثم عشت زمن الملك فيصل، ثم زمن الملك خالد، ثم زمن الملك فهد، ثم زمن الملك عبدالله، رحمهم الله، ثم أصبحت أعيش في زمن الملك سلمان، حفظه الله، وقد جمع في قبضته كل الأزمنة التي مضت، مشعلا لمجد يتعزز، وأضاف عليها مساحة مجد استثنائية، جعلتني أشعر وبحق، بأن شخصي مجموعة أبطال، يستمتع ببطولات، ويتفاعل فخرا ومنفعة وسعادة.

n وطني العزيز.. لو جاز لشخصي وضع عنوان لبطولة حياتي التي بنيتها كوطن، لاخترت كلمة واحدة، وهي (التّحدي)، ولو جعلت هذا التحدي شجرة، لأصبح ثمرها (إرادة التّحدي)، ولو حملت نفسي على جناح وبساط التّحدي والإرادة، لأصبح العنوان لقصة حياتي (لا تنهزم). عنوان يحمل مؤشرا ورسالة لكل الأجيال. هذه رسالة بطولتي التي أفتخر بها، ويفتخر بها كل فرد، والأهم أنها رسالة وطن لكل أجياله الحاضرة والقادمة.

n وطني العزيز.. البطولة أن تعيش اليوم أفضل من الأمس، وذلك في مسار الحياة الطبيعية، بدون استثناءات قد تطرأ على هذا المسار، تنقل إلى مسارات أخرى بإيجابيات وسلبيات. إن التغيير سمة الحياة الديناميكية التي تبحث عن الأفضل، ويتحقق بالتضحيات من كل الأجيال، لتصبح حياة الحفيد أفضل من حياة الجد، والتطلعات تتجدد، بفكر عقول شابة، توّاقة وطموحة.

n وطني العزيز.. في يومنا الوطني أتذكر وأذكر بالخير، كل من قابلت، وكل من علّمني، وكل من ساهم في صنع شخصي كبطل، وكل مخلص جعل الوطن ميدانا لأبطال يتكاثرون، وينشدون: سارِعي للمَجْدِ والعَلْياء، مَجّدي لخالقِ السّماء، وارفعي الخَفّاقَ أخضَرْ، يَحْمِلُ النُّورَ الـمُسَطَّرْ، رَدّدي اللهُ أكْبَر، يا مَوطِني، موطني عَشْتَ فَخْرَ المسلمين، عاشَ الملِيكْ، للعلمْ والوطنْ.

DrAlghamdiMH @