عبدالحميد الحمادي

إبراهيم عليه السلام دعا ربه -عزوجل- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ) سورة إبراهيم: آية 35، استنبط الشيخ محمد بن عبدالوهاب هذه الفائدة: هذا إبراهيم خليل الله، الذي حقق التوحيد، وحطم الأصنام بيده خاف على نفسه عبادة الأصنام، وخاف على بنيه، قال إبراهيم التيمي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟.

قل مثل ذلك؛ في اجتياح معظم دول العالم لوباء وبلاء (كورونا) الذي فقد بسببه العالم أكثر من (000،000،1) إنسان، بينما الإصابات تجاوزت (000،000،34) حيث يعتبر من الأوبئة التي سيخلد التاريخ ذكراها، لما ألحقه بالعالم من خسائر اقتصادية واجتماعية وصحية، وقدرته على إيقاف حركة الحياة وأنشطتها، ليس على مستوى بعض دول العالم أي الدولة الأقل إمكانيات وقدرات وموارد، بل حتى على مستوى الدول المتقدمة، وهي أكثر الدول تضررا وتفشيا للفيروس، وهذا وفق التقارير والإحصائيات. فما الرسالة التي يريد أن إيصالها هذا الوباء للعالم ؟ هل هي رسالة إصلاح وسلام؟ أم رسالة تهديد وتوبيخ؟ أم رسالة تشجيع وتحفيز؟.

لا بد من وقفة مراجعة، فما يحصل للفرد العادي من رسائل من حين إلى آخر بهدف تصحيح مساره أو تحفيزه أو توبيخه، يحصل كذلك مع الدول والمجتمعات، فالدول القوية اقتصاديا: أتتها رسالة بأن القوة وحدها لا تكفي، وأن سنن العدل وإيقاف البطش والتعالي أهم من المبادئ التي تحفظ قيامها واستمرارها، وإلا سيكون هناك من الرسائل الربانية ما قد يشغلكم عن قوتكم وجبروتكم.

أما الدول النامية: فلا تفكروا في البناء الخارجي وتهملوا البناء الداخلي، فالذي نجح في إدارة الأزمة، ليست الدولة الأكثر سلاحا واقتصادا، بل الدول الأكثر تقنية واهتماما بمواطنيها والمقيمين على أراضيها، وأن الدول التي تهتم بالإنسان ويكون على رأس أولوياتها تحظى بولائه واحترامه وإخلاصه.

أما الدول الضعيفة: بسبب انتشار الفساد والحروب والنزاعات، فهي أكثر الدول تضررا من الناحية الصحية والاجتماعية والتعليمية قبل تضررها اقتصاديا، لعدم وجود خطة لبناء اقتصاد لتتلافي تلك الأزمة.!

من يأمن البلاء بعد كورونا ؟.. لله في خلقه شئون، فلا بلاء من غير رسالة أو هدف، لأن الحكمة تقتضى وجود الغاية، وهناك من يتجاهل تلك الرسائل، ويحاول القفز عليها كونها مؤامرات أو أسبابا طبيعية لا علاقة بظلم قانون أو فساد الناس.! وهذا كله يسمى في علم النفس (حالة إنكار) أي يعلم الإنسان ويحاول أن لا يعلم.!

قال تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ الأنبياء: 35. يقول عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: «نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة». (المرجع: تفسير الطبري).

قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} سورة الشورى: آية: 30، فما نزل بلاء إلا بذنب وما ارتفع إلا بتوبة. ولا يوجد سبب يزيل النعمة ويرفعها ككفرها، ولا يوجد سبب يحفظها ويزيدها كشكرها وحمد الله عليها. هذه القاعدة يفهمها الإنسان المسلم بفطرته قبل أن يفهمها بعقله. فهل نعتبر بعد أن استطاع فيروس - صغير لا يرى بالعين المجردة - أن يكبد خسائر مالية مهولة لمعظم دول العالم المتقدم قبل غيرها ويشل حركتها الاقتصادية والسياحية والتجارية؟

فهل نأمن البلاء مستقبلا بعد جائحة كورونا؟

A.j.m.alhmmade@gmail.com