هشام محيي

في الثلاثين من سبتمبر من كلِّ عام، وهو اليوم العالمي للـ بودكاست، مَن مِنَّا كان يتخيَّل أن الراديو سيتراجع أمام التليفزيون في منتصف القرن العشرين، ومَن مِنَّا كان يتخيَّل أن الإنترنت في مطلع القرن الحادي والعشرين سيسحب البساط من تحت أقدام الصورة لصالح الـ بودكاست مجددًا، وبلغ عدد قنوات الـ بودكاست المسجلة عالميًا أكثر من مليون قناة بودكاست حتى نهاية أبريل الماضي، في حين بلغت أعداد الحلقات الخاصة المُذاعة على الـ بودكاست أكثر من ثلاثين مليون حلقة على مستوى العالم.

هذا التطور المتسارع في عالم الـ بودكاست فتح سوقًا جديدةً أمام شركات التقنية، ووكالات الإعلانات استثمرت إحدى منصات الصوت الشهيرة أكثر من مليار دولار خلال عام واحد، أي في الفترة ما بين فبراير 2019م، وفبراير 2020م، فيما أعلنت شركة أمازون العملاقة نيّتها الاستثمار في مجال الـ بودكاست. جذبت قنوات الـ بودكاست المستمع إلى عالم أثرت فيه الصورة بقوة على وعي الجميع.

يومنا المليءُ بالعديد من المشاغل والمهام، والأنشطة والهموم وشُحّ الوقت، جعل من الصوت وسيلة أسهل، ربّما للوصول إلى المعلومة بشكلٍ أسرع، دون تتبّع الصور في أي وقتٍ وزمان. خصوصية الـ بودكاست جعلت من يومنا المنصة المفضلة لدى الكثير من الناس، رغم حداثتها في مجتمعاتنا العربية. الـ بودكاست أصبح أكثر وضوحًا لعالم الإعلام الرقمي الجديد، بابتعاده عن تسطيح المواضيع، كما يحدث في الـ سوشيال ميديا الآن، وأصبح الـ بودكاست يقدّم للمستمع عصارة تجارب قيِّمة يُوصِل بها الإلهام والتفاؤل من تجارب الآخرين.

كان وراء فكرة الـ بودكاست في عام 2004م، الكاتب الصحفي البريطاني (Ben Hammersley ) الذي كان يعمل بهيئة الإذاعة البريطانية BBC، وصحيفة الجارديان، قام بالتوسّع في انتشاره عالميًا، لكنه ظهر في الوطن العربي بأواخر عام 2015م، الـ بودكاست هو أحد وسائط الإعلام الرقمي الجديد، مدوَّنة مسموعة، والبديل المناسب للذين لا يمتلكون الوقت ولا يحبون القراءة، أو بمعنى آخر هو تدوين صوتي، ويُطلق عليه أيضًا البث الجيبي.

أصل كلمة بودكاست جاء من دمجٍ بينَ كلمتَين، وهما iPod وهو اسم جهاز الترفيه الشهير من أبل، وكلمة Broadcast ومعناها محطة إذاعة الراديو، يعتمد عمل الـ بودكاست على سلسلة وسائط متعددة أو حلقات صوتية شيّقة، يمكن تنزيلها أو متابعتها على العديد من تطبيقات الـ بودكاست، والاستماع لها بسهولة في أي وقت وأي مكان، أثناء ممارسة الرياضة أو قيادة السيارة أو العمل والتنزه على الشواطئ، الـ بودكاست هو محتوى صوتي طويل الأمد، ليس مرتبطًا بخبر يومي عاجل، ولا يتطلب من متابعيه إعطاء وقتٍ لسماعه، على عكس الفيديو الذي يعتمد أساسًا على التركيز والتفرغ أثناء المشاهدة، تختلف مواضيعه وتتنوّع حسب اختلاف وتنوّع شخصيات المتابعِين واهتماماتهم، فهناك نوع من الـ بودكاست يُعنَى بالسياسة والدين والاجتماع، وآخر يهتم بأخبار التقنية، وغيرها لتعلّم المهارات، أو التحليل الاقتصاديِ، وهناك بودكاست يتابع ألعاب الكمبيوتر، والطب، أو يهتم بالتصوير والفنون المختلفة، أو الأفلام وجديد الكتب، أو الأدب والرحلات حول العالم، أو حتى مذكرات القادة والشخصيات الشهيرة، أو للتسلية وتبادل النكت أو غيرها.

هناك الآن أكثر من 42 مليون أمريكي، معظمُهُم من الشباب يقومون بسماع الـ بودكاست بشكلٍ دائمٍ. أمَّا في عام 2017م فبلغ حجم الدعاية التي تُنفق في الـ بودكاست بأمريكا (256) مليون دولارٍ سنويًا، ومن المتوقع زيادة كبيرة خلال السنوات القادمة؛ مما يدل على نجاحه المستقبليِ، وكثرة الإقبال عليه، وفي ذكرى اليوم العالمي للـ بودكاست، وبعد معرفتك معنى بودكاست ومن أين أتت الكلمة، هل ستكون من الآن حريصًا على متابعة الـ بودكاست؟.

@heshammohii