لمى الغلاييني

في التسعة شهور الأولى من حياتك كنت تعيش وتتغذى على ذلك الماء الأمنيوسي، الذي هو في الحقيقة سريان محبة تجري في داخلك بدون شروط، ولو تأملت في الطبيعة السحرية الغامضة لهذه الطاقة السائلة، فستجد أنه يتملص منك كلما حاولت أن تقبض عليه، وإذا استرخت يداك فيه ستشعر به بسهولة، وإذا سكن الماء أصبح آسنا، وإذا سمح له بالجريان سيظل نقيا، فهو لا يسعى للمواضع العالية ليفوق الجميع، لكنه يستقر في أخفض الأماكن ويتجمع في الأنهار والبحيرات والجداول شاقا طريقه نحو البحر، ليتبخر ثانية على شكل أمطار، ويمارس العيش بتدفق، وبما أن معظمك مكون من الماء فعش كما يعيش الماء، وتعلم من فلسفة ذلك السائل، الذي يمدك بالحياة، بأن تثق بحكمة التدفق الداخلي، وتدع أفكارك وتصرفاتك تسير بنعومة وانسجام مع طبيعة الأشياء، وأن تكون لطيفا وتسمح للآخرين بممارسة اختلافهم، وأن يكونوا كما يحتاجون أن يكونوا دون أي تدخل منك، ولديك العديد من الدروس العميقة، التي يمكن استنتاجها بمجرد التمعن في فلسفة الماء، الذي يغذي كل الحياة، وتأتي الفوائد التي يقدمها من كونه يتحرك منسجما مع اللحظة، ومتواصلا بشكل طبيعي مع محيطه، ولهذا فحين تكون حرا مثل الماء، فأنت تتواصل بشكل طبيعي وسلس، وسيتم تقبلك باحترام، وستغدو في حالة انسجام مع الطاقة الكونية، وحين تبذل كل جهد ممكن لتجنب التحكم بحياة الآخرين ستغدو في حالة من الانسجام والسلام الذاتي، لأنك ستقترب من حكمة الماء، الذي يتيح لنا الفرصة لنسبح، ونصيد الأسماك، ونركب الأمواج، ونسافر بعيدا، وفرصا مديدة لا تنتهي، من خلال اقتناعك العميق بقوة الجريان، والتوقف عن أن تكون شيئا آخر سوى نفسك، وقد لاحظ العالم الياباني ماسارو إيموتو في كتابه «الرسائل الخفية للماء»، أنه بحب الماء واحترامه يمكنك تحديدا أن تغير عملية تبلور جزيئاته، فإذا حفظ الماء في وعاء مكتوب عليه «شكرا لكً، أنت جميل، أنت رائع»، ستغدو بلورات الماء مشعة جميلة، أما إذا كانت الكلمات المكتوبة على الوعاء سلبية، فإن البلورات سوف تتشوه وتبدو مضطربة، وهذا ما يجعل مضمون أعمال إيموتو مذهلا، فمنذ نفخت الروح فينا ونحن مكونون بشكل أساسي من الماء، فإذا فقدنا التوازن في نوايانا، فمن الممكن أن نساهم في رفع معدل تلوث الكوكب بشكل مدمر، لهذا فحين تنهي المقالة أمسك بكوب الماء بين يديك، واشرب بهدوء وتأمل، وذكّر نفسك مع كل رشفة بأن تغذي الآخرين بنفس طريقة ازدهار الحياة، التي تمنحها الجداول للحيوانات والنباتات وماء المطر، وردد دعاء الشكر لهذه المادة الدائمة الجريان المانحة للحياة.

Sent from my iPhone

LamaAlghalayini@