دينا ناصر العارضي

«ليس لدي أي ثوب باستثناء واحد أرتديه كل يوم، إذا كنت تريد أن تكون كريما بما يكفي لتعطيني واحدا، يرجى أن يكون عمليا وداكنا حتى أتمكن من ارتدائه من أجل الذهاب إلى المختبر»

بجسمي الصغير، وثوبي الأسود، وارتباط اسمي بالنشاط الإشعاعي، وعملي المتواصل ليل نهار، غيرت البشرية.

أنا ماري كوري

أنا ماري كوري، أو ماري سكوودوفسكا قبل زواجي، ولدت في 1867 في بولندا المفككة وقتها، كنت أحب العلم أكثر من أي شيء آخر، أردت دخول الجامعة لكنها كانت محظورة على النساء في بولندا، انتقلت إلى وارسو، وعملت هناك، كنت أعيش حياة وظروفا قاسية، وصلت إلى باريس أخيرا، مدينة أحلامي والحرية المنشودة، دخلت جامعة السوربون، وحصلت على درجتي الفيزياء والرياضيات، وعملت كمدرسة خصوصية لأغطي نفقات معيشتي.

بدأت عملي العلمي في باريس بأبحاث حول الخواص المغناطيسية، الاهتمام المشترك مع بيير كوري، الذي أعجب بذكائي، فطلب الزواج مني، وقبلت، ومنذ تلك اللحظة، بدأت أعيش حياة جديدة، مختلفة جدا عن العزلة التى عشتها في السنوات السابقة، وغيرت ابنتي إيرين حياتي.

لم يكن لي ولبيير مختبر متخصص، قمنا بمعظم أبحاثنا في غرفة مسقوفة كانت غرفة تشريح سابقة ملحقة بمدرسة الطب، وكانت سيئة التهوية وتنفذ إليها مياه الأمطار. تركزت أبحاثي على اثنين من خامات اليورانيوم، ومع مرور الوقت، ازداد إعجاب بيير بعملي، حتى ترك أبحاثه حول البلورات وانضم للعمل معي

في 1898، نشرت أنا وبيير ورقة بحثية مشتركة، أعلنا فيها عن وجود عنصر أطلقنا عليه اسم «البولونيوم»، تكريما لبلدي الأصلي بولندا، وفي العام ذاته، اكتشفنا عنصرا آخر، سميناه «الراديوم».

وفي عام 1903، رشح بيير كوري وهنري بيكريل -صاحب الإسهامات في النشاط الإشعاعي- لجائزة نوبل في الفيزياء، وتم إغفالي، ولكن بيير اتخذ موقفا داعما لي، لنتشارك الجائزة جميعنا، وأصبح أول امرأة أفوز بجائزة نوبل.

وضعت ابنتي الثانية، وتوفي بيير في حادث أليم، فوضعتني السوربون أستاذة مكانه، لأصبح أول أستاذة في تلك الجامعة. هذا المنعطف الحاد في حياتي غير مجرى العديد من الأمور، فماذا حصل بعدها؟ التكملة في الجزء الثاني من حكايتي، أنا ماري كوري.

أستكمل روي قصتي، أنا الحاصلة على جائزتي نوبل في الفيزياء والكيمياء، ماري كوري، توقفت في المرة الماضية بعد أن أنجبت ابنتي الثانية، وبعدها، في عام 1911 فزت بجائزة (نوبل) أخرى لكن هذه المرة في الكيمياء، لأصبح الوحيدة التي تأخذ جائزة نوبل في مجالين مختلفين. كتب لي منظمو جائزة نوبل مقترحا لعدم مجيئي إلى ستوكهولم لاستلام الجائزة، إذ كانت الصحافة الفرنسية تحرض ضدي وقتها، وتصورني بالشيطانة، فأنا من كسرت الأعراف الفرنسية، فالعلم كان محتكرا للرجال، ولا تنسوا أني أجنبية أيضا. ولكني رفضت الطلب، وذهبت واستلمت الجائزة بكل قوة.

وفي سنوات الحرب العالمية الأولى جهزت معدات الأشعة السينية ومركبات ومولدات مساعدة وطورت وحدات تصوير إشعاعي متنقلة. لألقى بعدها احتفاء فرنسيا على ما فعلت. ولكني لم أغفل ابنتي اللتين كانتا تعيشان بعيدا عني، فكنت دائما ما أكتب لهما الرسائل.

«ومن العلم ما قتل» شخصت بمرض فقر الدم الناجم عن تعرضي الزائد عن الحد للعناصر المشعة، فلطالما حملت أنابيب اختبار تحوي نظائر مشعة في جيبي، ولطالما وضعتها في درج مكتبي دون أن أدرك أخطارها الجسيمة. كما تعرضت للأشعة السينية من الأجهزة غير المعزولة، أثناء خدماتي التي كنت أقدمها أثناء الحرب، وتسرب الإشعاع بين خلاياي حتى قتلني.

حتى كتاب الطهي خاصتي كان مشعا بدرجة كبيرة لدرجة أنه محفوظ مع أوراق أخرى في صناديق مبطنة بالرصاص، وتستدعي مطالعة هذه الأوراق ارتداء ملابس خاصة واقية من الإشعاع.

تذكروا البولونيوم والراديوم، فأنا حتى بعد وفاتي ما زلت أتلقى تكريمات عديدة، وجسدتني السينما، فأنا من أسهمت في الفيزياء والكيمياء، والطب، وأنا من وضعت مفهوم «النشاط الإشعاعي» وغيرت نظرتكم اليوم إلى العالم، ولي إسهامات عديدة في مختلف المجالات. وأيضا أنا المرأة الإنسانة التى ناضلت وناضلت لأجل البشرية ولأجل كل النساء.

dinaalardhi