نادية مشاري العتيبي

نعم، هي نفس الصورة التي تبادرت إلى ذهنك الآن، لوحة حمراء تشير إلى منفذ للنجاة خلال الطوارئ ولكن.. هذا المنفذ يزيد بأنه معنوي أكثر، وإنما تختلف دواعيه من شخص لآخر، المنفذ هنا هو التسلي والسلوى اللذان نبحث عنهما عندما لا نعود نرى حلولا لمشاكلنا، عندما يكون صمتنا هو صبغتنا الظاهرة، عندما لا نظهر بالشكل الذي اعتادنا عليه الآخرون وعندما يثقل كاهلنا هم الحياة..

قد يكون منفذ الطوارئ هذا صاحبا، وأذكر هنا قصة للخليفة المأمون والشاعر أبو العتاهية عندما سمعه ينشد:

‏وإني لمشتاق إلى ظل صاحب،

‏يروق ويصفو إن كدرت عليه..

‏فقال: خذ مني الخلافة وأعطني هذا الصاحب !

وربما يكون كتابا، يقول أحدهم واصفا مكتبته، هذه الكتب المتراكمة قيمتها النفسية تجاوزت أغلب الأشخاص لدي، إني أجد فيها خيالا يأخذني بعيدا في رحلة يصفو معها ذهني، وأرى عوالم أخرى تشغل تفكيري بطريقة سلسة، دون أن أكون مضطرا للحديث أبدا !

وهو السفر وضرب البلدان طولا وعرضا عند البعض، يقول الرحالة ابن بطوطة: إنه السفر، يتركك صامتا ثم يحولك إلى قصاص.. وتقول الكاتبة ماري آن رادماتشر: لم أعد كما كنت بعد أن رأيت سطوع القمر على الجانب الآخر من العالم.. السفر يشغلك بمشقته ومتعته عما لديك، ويجعلك في حالة تأهب وتركيز على أشياء مختلفة..

وقد يكون صاحبا وخلا عزيزا، كلما غشاني الظلام يا قمري ذهبت أرتجي نورك ليوقد مشاعل الأمل في طريقي،

باحثا عن السلوى التي يخلو بها القلب ويفرغ بها البال لأنتقل إلى مقام آمن وسكون من نوع خاص مهما كان صخبه!

كيف أخبرك يا مهجتي بكلمات مفهومة قبل أن ألتجيء إليك كم كنت تائها، مترامي الأفكار وحبيس الظروف ! كيف أصف مدى الرحابة في كلماتك التي داوت روحي وأرشدتني إلى آفاق ما كنت لأدركها وحدي ! إني لا أجد سوى الانبهار الدائم المتجدد بك..

ويجد أغلبنا أنس نفسه ومنفذه الآمن بين آيات القرآن الكريم وسجداته المليئة بالرجاء والخشوع، ولا أعلم أنسا أجل بأن يلجأ إليه سوى ذلك..

وأراني أتخفف من ثقل الأشياء حينما أبدأ بالرسم الحر ولتأخذ اللوحة من أفكاري وجهدي ما شاء لها أن تأخذ، وعند آخر فراغ متبقٍ يتم تغطيته بالألوان، تتم أيضا عودتي خفيفة الروح ومقبلة على الحياة عبر هذا المنفذ..

وقلمك أيها الكاتب، يا من تبحر بك الكلمات وتتلاطمك أمواج الحروف، فلا تجد بدا من اقتحام الورق لتنسج أعذب الكلمات وأصدق العبارات التي تلامس الوجدان، فتكتب وتكتب حتى تمتلئ الدفاتر، ويسكن عقلك ويكف عن البذل، ولتجد نفسك بعد ذلك شخصا آخر خرج متجددا من منفذ الطوارئ..

لا يوجد بالتحديد من يعلم تماما أين تكمن سعادته، في ما يتمناه أو ما يخشى حدوثه! ولا أين تحصل رفعته، في مرضه أو عافيته، ولا أين يبسط له، في رخاء أو شدة ولا أحد يدري في أي وجهة يمشيها تصل به إلى ما يحب ! لكن الله يعلم هذا كله وكفل لمن توكل عليه أنه يكفيه، فوض له كل شيء ﴿وكفى بالله وكيلا﴾.

Nadia_Al_Otaibi @