الحرب التنظيمية الدائرة في أستراليا بين المؤسسات الصحافية ضد فيسبوك وجوجل لإجبارهما على الدفع مقابل تداول أخبار الصحف على المنصات الرقمية، حرب تاريخية ومفصلية على أكثر من صعيد، لكن أهمها دخول وزارات الإعلام كلاعب محوري في التحولات الزلزالية لصناعة الإعلام وإثبات قدرتها على مغادرة مقعد المتفرج وتطوير إستراتيجيتها لتحقيق الهدف الرئيس لوجودها وهو بناء منظومة تشريعية ديناميكية تزدهر فيها صناعة الإعلام ومؤسساته كأحد أهم القوى الناعمة لأي دولة.
القصة بدأت حين أعطى وزير الخزانة في الحكومة الفيدرالية في أستراليا جوش فريدنبرغ توجيها إلى هيئة المنافسة والمستهلك لتطوير وسن ميثاق ينظم العلاقة بين المنصات الرقمية وبين جميع مؤسسات الإعلام والصحافة في البلاد وعددها تسعة، لإجبار فيسبوك وجوجل وتويتر ويوتيوب على أن تخصص جزءا من مداخيل إعلاناتها المليارية كثمن مستحق الدفع إلى المؤسسات الإعلامية، بحجة أن من العدالة حصول الأخيرة على مقابل مادي لمنتجها الثمين، فهي من تخلق المحتوى الإخباري بينما يتداوله الآخرون ويتفاعلون معه مجانا، على وحد وصف الوزير بريدنبيرغ.
الزخم لهذه الحرب يتعاظم عالميا لذا هددت فيسبوك الشهر الماضي (سبتمبر) على لسان المدير العام لفيسبوك وإنستجرام في أستراليا ونيوزيلندا ويل اياستون بحرمان المستخدمين والناشرين من تداول الأخبار المحلية والدولية على فيسبوك وإنستجرام، معتبرا أن هذا الإجراء ليس خيار فيسبوك المفضل لكنه سيكون الخيار النهائي إذا ما أقر ميثاق الأخبار، وقبلها هددت شركة جوجل بحظر خاصية البحث عن المستخدمين في أستراليا لمحاولة عرقلة التنظيم ذاته. هذه التهديدات اعتبرها المتحدث باسم تكتل المؤسسات الإعلامية التسعة غريبة وتعكس لجوء فيسبوك لمنطق المحتكر القوي بدلا من الاعتراف بقيمة وأهمية المحتوى الإخباري الموثوق الذي تقدمه الصحف مقارنة بالأخبار والشائعات الزائفة التي تضج بها مواقع التواصل.
لغة الأرقام تقول بأن 39% من الأستراليين يستقون أخبارهم اليومية العامة من فيسبوك وهي نسبة ترتفع إلى 45% لأولئك الباحثين عن الجديد في أخبار كورونا كوفيد 19، بحسب دراسة أعدتها جامعة كانبيرا الأسترالية. فيسبوك أيضا سجلت في الأشهر الخمسة الماضية 2 مليار نقرة على خانة الموجز الإخباري لفيسبوك facebook feed، وهي حركة مرور تبلغ قيمتها 200 مليون دولار بحسب تقديرات الصحف الناشرة في تقرير نشرته الجارديان البريطانية.
الأكيد أن إقرار ميثاق الأخبار لن يحل كل مشكلات مؤسسات الصحافة في أستراليا التي تعاني مثل غيرها حول العالم شح الموارد وهجرة القارئ وغياب الابتكار في الأدوات والمحتوى، لكنه برأيي سيشكل دون شك جزءا مهما من الحل لإنجاز التحول الشامل في الصناعة، متى ما شمل نمط تفكير وعمل وزارات وجهات حكومية تتقاطع في مهامها مع الإعلام والإعلان وعدالة المنافسة كما في الحالة الأسترالية، فضلا عن أنه سيدر ذهبا للصحف يمكنها من الوقوف من جديد وتبني الابتكار والتطوير اللازم لمواكبة الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم وهزت صناعات راسخة.
أعجبني في هذا المشهد الشائك الدور الذي تلعبه المؤسسات الحكومية المنظمة للإعلام التي أظهرت حيوية لتصحيح المشهد المشوه، مقابل جشع شركات خارجية هدفها الربح والربح فقط، فهيئة المنافسة والمستهلك قالت إنها ماضية في وضع اللمسات الأخيرة لمسودة الميثاق، بدعم من وزارة الخزانة.
وبغض النظر عن النهاية التي ستؤول إليها معركة ميثاق الأخبار في أستراليا، فإنها تعلمنا عدة دروس، لعل أهمها أن وزارة الإعلام والجهات التشريعية الحكومية في زمن فيسبوك بحاجة إلى إعادة تعريف دورها بما يتجاوز مجرد التعبير عن إنجازات البلد إلى خلق بيئة تنظيمية احترافية تضمن نمو مؤسسات الإعلام المطور لتبقى قوى ناعمة قادرة على التأثير في زمن فيسبوك وجوجل ويوتيوب وتويتر.
@woahmed1
القصة بدأت حين أعطى وزير الخزانة في الحكومة الفيدرالية في أستراليا جوش فريدنبرغ توجيها إلى هيئة المنافسة والمستهلك لتطوير وسن ميثاق ينظم العلاقة بين المنصات الرقمية وبين جميع مؤسسات الإعلام والصحافة في البلاد وعددها تسعة، لإجبار فيسبوك وجوجل وتويتر ويوتيوب على أن تخصص جزءا من مداخيل إعلاناتها المليارية كثمن مستحق الدفع إلى المؤسسات الإعلامية، بحجة أن من العدالة حصول الأخيرة على مقابل مادي لمنتجها الثمين، فهي من تخلق المحتوى الإخباري بينما يتداوله الآخرون ويتفاعلون معه مجانا، على وحد وصف الوزير بريدنبيرغ.
الزخم لهذه الحرب يتعاظم عالميا لذا هددت فيسبوك الشهر الماضي (سبتمبر) على لسان المدير العام لفيسبوك وإنستجرام في أستراليا ونيوزيلندا ويل اياستون بحرمان المستخدمين والناشرين من تداول الأخبار المحلية والدولية على فيسبوك وإنستجرام، معتبرا أن هذا الإجراء ليس خيار فيسبوك المفضل لكنه سيكون الخيار النهائي إذا ما أقر ميثاق الأخبار، وقبلها هددت شركة جوجل بحظر خاصية البحث عن المستخدمين في أستراليا لمحاولة عرقلة التنظيم ذاته. هذه التهديدات اعتبرها المتحدث باسم تكتل المؤسسات الإعلامية التسعة غريبة وتعكس لجوء فيسبوك لمنطق المحتكر القوي بدلا من الاعتراف بقيمة وأهمية المحتوى الإخباري الموثوق الذي تقدمه الصحف مقارنة بالأخبار والشائعات الزائفة التي تضج بها مواقع التواصل.
لغة الأرقام تقول بأن 39% من الأستراليين يستقون أخبارهم اليومية العامة من فيسبوك وهي نسبة ترتفع إلى 45% لأولئك الباحثين عن الجديد في أخبار كورونا كوفيد 19، بحسب دراسة أعدتها جامعة كانبيرا الأسترالية. فيسبوك أيضا سجلت في الأشهر الخمسة الماضية 2 مليار نقرة على خانة الموجز الإخباري لفيسبوك facebook feed، وهي حركة مرور تبلغ قيمتها 200 مليون دولار بحسب تقديرات الصحف الناشرة في تقرير نشرته الجارديان البريطانية.
الأكيد أن إقرار ميثاق الأخبار لن يحل كل مشكلات مؤسسات الصحافة في أستراليا التي تعاني مثل غيرها حول العالم شح الموارد وهجرة القارئ وغياب الابتكار في الأدوات والمحتوى، لكنه برأيي سيشكل دون شك جزءا مهما من الحل لإنجاز التحول الشامل في الصناعة، متى ما شمل نمط تفكير وعمل وزارات وجهات حكومية تتقاطع في مهامها مع الإعلام والإعلان وعدالة المنافسة كما في الحالة الأسترالية، فضلا عن أنه سيدر ذهبا للصحف يمكنها من الوقوف من جديد وتبني الابتكار والتطوير اللازم لمواكبة الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم وهزت صناعات راسخة.
أعجبني في هذا المشهد الشائك الدور الذي تلعبه المؤسسات الحكومية المنظمة للإعلام التي أظهرت حيوية لتصحيح المشهد المشوه، مقابل جشع شركات خارجية هدفها الربح والربح فقط، فهيئة المنافسة والمستهلك قالت إنها ماضية في وضع اللمسات الأخيرة لمسودة الميثاق، بدعم من وزارة الخزانة.
وبغض النظر عن النهاية التي ستؤول إليها معركة ميثاق الأخبار في أستراليا، فإنها تعلمنا عدة دروس، لعل أهمها أن وزارة الإعلام والجهات التشريعية الحكومية في زمن فيسبوك بحاجة إلى إعادة تعريف دورها بما يتجاوز مجرد التعبير عن إنجازات البلد إلى خلق بيئة تنظيمية احترافية تضمن نمو مؤسسات الإعلام المطور لتبقى قوى ناعمة قادرة على التأثير في زمن فيسبوك وجوجل ويوتيوب وتويتر.
@woahmed1