سالم اليامي

للإبحار في قراءة هذا المقال، يتطلب الأمر توضيحين مهمين، الأول معنى كلمة غمندة، وأزعم أنه يجب تفحصها من زاويتين الأولى معناها العام، وهنا تبين الكتابات حول هذه الكلمة أنها إحدى الكلمات المستخدمة عند سكان منطقة الخليج العربي، وخاصة عند أهل الكويت. وتعني اتفاقا سريا، لتنفيذ عمل ما، غالباً ما يكون ذلك العمل شريراً، ونستطيع أن نقول إجمالاً، إنها تعني سر المؤامرة، الزاوية الثانية تقول الكتابات المتوفرة حول الكلمة أنها في الغالب ليست لفظة عربية، ومن المرجح أن تكون ذات أصول فارسية نظراً للتقارب الجغرافي مع الشعب والثقافة الفارسية.

وليكتمل مشهد العنوان العام نقول إن السفير المقصود هو السيد (حسن إير لو) سفير إيران لدى الانفصاليين الحوثيين، والذي أعلنت السلطات الإيرانية الرسمية عن وصوله إلى صنعاء سفيراً لما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران لدى عصابة تختطف السلطة الشرعية في اليمن تُسمى بميليشيات الحوثي، بتاريخ 17 أكتوبر 2020م.

هذا العمل من جانب إيران عمل يخالف القرارات الدولية الداعية إلى تهدئة الأوضاع في اليمن ومحاولة وقف الحرب، للتخفيف على المدنيين. إيران وعبر منصاتها الإعلامية طيرت خبر وصول السفير إلى صنعاء لتقديم أوراق اعتماده لرموز العصابة الحوثية لأنها سلطة الأمر الواقع على حسب تعبير الجانب الإيراني الذي صاغ الخبر.

السفير الإيراني هو السفير الوحيد لدى سلطات عصابات اختطاف الدولة في اليمن حيث أقفلت كل السفارات التي تحترم نفسها أبوابها وأجلت رعاياها وموظفيها. اللغة المستكبرة التي صيغ بها خبر وصول السفير تُشعر القارئ بأن هذه العملية نوعية، بل نصر. السؤال المهم هنا نصر على من؟ ونوعي ضد من؟ القراءة العامة للخبر والحدث تحيلنا بطريقة أوتوماتيكية إلى الذهنية الإيرانية الحوثية المشحونة بالتحدي لمجرد التحدي، تحدي قوات التحالف العربي، وتحدي سلطات الأمم المتحدة، التي نفت على لسان مكتب مبعوث الأمين العام إلى اليمن علمها، أو مشاركتها في إدخال السفير للأراضي اليمنية. وتحدي المجتمع الدولي الذي يقال إنه يدعم كل الحلول السياسية السلمية الممكنة في اليمن. ثم تأتي القراءة الموازية والتي تشير إلى أن كل هذه الطاقة السلبية الحوثية الإيرانية مشحونة بالعداء للإنسان اليمني الذي طالت عذاباته في هذه الأزمة.

اللغز، او السر في كيفية وصول السفير يدور في عدة احتمالات، المهم منها الرسالة الأبعد وهي إرسال سفير في هذه الظروف وبهذه المواصفات، حيث إن الرجل خبير عسكري متخصص في مضادات الطائرات، وتنقل بعض المصادر أنه أتى برفقته 20 عنصر أمن إيرانيا منحوا جوازات سفر يمنية، وربما هو أيضا دخل عبر هذه الحيلة حيث منحتهم السفارة اليمنية في عاصمة خليجية تلك الجوازات ودخلوا على متن طائرة أقلتهم من طهران عبر العاصمة الخليجية مجموعة من المرضى، والجرحى، وقيادات في العصابة الحوثية كانوا جميعا في طهران. والرجل يملك سجلا سابقا في تدريب الميليشيات التي تخرب المنطقة العربية في سوريا، ولبنان، والعراق بالإضافة إلى اليمن.

هذه الخطوة في أغلب التقديرات وأكثرها واقعية هي خطوة متقدمة للدعم العلني والمباشر للعصابات الحوثية وتحدٍّ للسلام في المنطقة بشكل صريح ومعلن. من المفيد أن يكون هناك إعادة تصور بناء على هذه الحادثة ومعطياتها لدى التحالف العربي، بالإضافة إلى ما لديهم من معلومات لا تتوافر لنا كقراء ثانويين للحدث، يتم بناء عليه الرد على هذا التحدي، وهذه الرسالة الإيرانية الجامحة. عملية التخلص من سيئ الذكر سليماني بالطريقة الأمريكية، وإيران عبر المغامرة بهذا العسكري المتدثر بلعبة الدبلوماسية مع عصابات الأمر الواقع تدخل المنطقة في خيار غير مألوف، ولكنه قد يكون الخيار الأنجع متى ما توفر إليه السبيل؛ وعندها سيعرف الجميع الغمندة -السر- وراء إرسال هذا السفير المغامر.

salemalyami@