في علم البيولوجيا يعتبر الكيان الأكثر قدرة على السيطرة على محيطه وعلى جميع الكيانات الأخرى الموجودة في محيطه هو الأكثر تطورا، وعبارة البقاء للأقوى تعني هنا أن الكيان الأكثر تطورا في بيئة معينة هو ذلك، الذي يحتل الحلقة الأعلى في السلسلة الغذائية في هذه البيئة، وبحسب هذا التعريف فالكيان الأعلى قدرة على تأمين بقائه والمحافظة على نوعه هو الأكثر تطورا، ولكن مفهوم التطور يختلف في تعريفه لدى الفلسفة الأخلاقية، فالإنسان المتطور حقا هو الذي يقدر ويحترم الآخرين كما يحب أن يُعامل، ويقدر فضيلة المحبة أكثر من التنافس والتنابذ مع الآخر، ويهمنا أن نعمل جميعا لتعزيز هذا التعريف للتطور، ليتجاوز المفهوم الضيق، والإدراك المقيد بعالم المادة المحسوسة، فعندما نحصر إدراكنا للعالم المادي ضمن ما تمليه علينا المشاهدات والحواس الخمس يصبح الخوف بالنسبة إلينا قاعدة الحياة في هذا العالم، وتصبح قوة السيطرة على المحيط وعلى مَنْ يعيشون فيه ضرورة أساسيةً، وتزداد الحاجة للمنافسة في كل جوانب حياتنا، وعلاقاتنا الشخصية والاجتماعية والمهنية، ويذبل الميل الطبيعي للتناغم الكوني، فالتنافس من أجل الاستحواذ على القوة الخارجية يكمن وراء كل أشكال العنف، ويؤدي للتصدع على كل الأصعدة، وهذا ما ينتجه التعريف الضيق للتطور الساعي لاكتساب المزيد من القوة الرامية للسيطرة على الآخرين، ويعكس واقع فكرة الخوف كأصل للشعور التنافسي على حيازة القوة الخارجية، بينما ينبثق التطور الروحي من منطلق آخر يستشعر انبثاق القوة من أعمق منابع وجودنا، ويجعلنا نتطور من مخلوقات تسعى لاكتساب القوة الخارجية إلى مخلوقات تسعى لاكتساب القوة الحقيقية، ومن مخلوقات بشرية مقيدة بمعطيات حواسها الخمس إلى كائنات ذات بعد روحي وإدراك موسع تستجلب معلوماتها وأدواتها من أبعاد أوسع. فأصحاب الإدراك المقيد لا يستشعرون تأثير النيات اللامرئية على سير الأمور حولهم، بينما يُؤْمِن ذوو الذكاء الروحي بأن النية، التي تقف وراء العمل هي التي تحدد تأثيره، وكل نية نضمرها تؤثر علينا وعلى الآخرين، ويمتد تأثيرها لخارج حدود العالم المادي، وأننا في كل لحظة نختار النيات، التي تصبح مسؤولة عن رسم شكل تجاربنا وملامح حياتنا، ولهذا فهم يختارون نواياهم بشكل واعٍ جدا، يمكنهم مع مرور الوقت لشحذ فراستهم الشعورية في التمييز بين نوازعهم البشرية الشافية أو المدمرة، وتنشيط ذكائهم الروحي لتقوية بوصلتهم الداخلية، فالنية تقف وراء كل فكرة وشعور، وهي مكونة من أمرين متلازمين؛ السبب والنتيجة، فإن كنا مشتركين في السبب، فمن غير الممكن ألا نشترك في النتيجة، ومن هذا المنطلق فنحن مسؤولون عن كل فكرة، وكل شعور يترتب على نوايانا، وسوف نشترك في تذوق ثمار كل نوايانا، ومن الحكمة أن نعي حقيقة تلك النوايا، التي تشكل بذور تجاربنا، لأننا نستقبل من العالم ما نعطيه له، والأذكياء روحيا يفهمون ذلك جيدا.
LamaAlghalayini@
LamaAlghalayini@