فيصل الخريجي يكتب:

اجتاح فيروس كورونا العالم بضراوة فتاكة، وعطل الحياة والصناعة والتعليم والأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعدلية، فحاصر كل شيء وخنق الأنفاس، ومع ذلك استطعنا التعامل معه من خلال الوقاية والإجراءات الاحترازية والحذر الشديد، وتوظيف تقنية الاتصال المرئي عن بُعد لتوفير الحد الأدنى من تسيير الشؤون الحياتية، حتى يرفع الله الغمة ويتوافر اللقاح المضاد أو العلاج الشافي الفعال، وتنقشع هذه الجائحة التي أحاطت بالبشرية جمعاء، وهنا أتحدث عن أبنائي وأبنائكم، الذين اعتكفوا في غرفهم لحضور الدروس وتلقي التعليم عبر «منصتي»، فزادت أوزانهم وابتعدت أجسادهم عن الهواء الطلق وأشعة الشمس الدافئة، وانحصرت أذهانهم في ذلك الصندوق المرئي، ولم يعد هنالك حصص للرياضة ولا للرسم، ولا تدافع أمام المقصف للشراء في الفسحة، ولا ركض أو جري في ساحات المدارس، فغابت ضحكات الطلاب، وابتسامات المعلمين الأفاضل لطلابهم، وتأثرت صحة الطلاب الجسدية والنفسية، وتسبب ذلك كله بزيادة الضغط على القطاع الصحي، وتعطلت الحركة الاقتصادية، التي تتزامن في العادة مع تلك الحيوية والبهجة، واضمحلت حركة النقل والبيع والشراء، وتصنيع الملابس والأحذية والمنتجات القرطاسية والمكتبية، وصيانة المنشآت التعليمية ووسائل النقل. دورة اقتصادية متكاملة تعطلت، فتأثرت الوظائف؛ ما ساهم في زيادة التضخم وأدى إلى حياة بلا ملامح أو ذكريات، حياة بلا صور يستذكر بها الأطفال ملامح أصدقائهم ومعلميهم.

أشعر بالأسى لهذا الجيل وأتضرع لله عز وجل أن يرفع البلاء لتعود الحياة الصباحية المبهجة إلى طبيعتها، وأعتب على مَنْ سوّق فكرة أن الحياة التعليمية عبر الصناديق الجامدة والاتصال المرئي حل مناسب لبناء إستراتيجية التعليم المستقبلي؛ فالخنادق ملاذ آمن وجيد أيام الحرب ولصد قصف العدو، ولكن بعد انتهاء الحرب تصبح قبورا كئيبة معتمة، لذا أرجو عدم تبني أفكار تُبقي على استخدام الخنادق في زمن السلم، وأدعو ألا يشجع أحد على تربية جيل في غرف نومه ليتلقى الدروس والتعليم عبر شاشات قاتلة للحياة والحركة والبهجة والمنافسة، فلا تجاملوا التقنية على حساب حياة أبنائكم، ولا تنتجوا جيلا بلا ملامح أو ذكريات.

وفي الختام، أسأل الله أن يعجل بزوال الجائحة وأن يمنّ على الجميع بالصحة والعافية، لتستأنف حركات الباصات وأصواتها الجميلة، ويعلو النشيد الوطني في طابور الصباح، إيذانا بعودة الألوان إلى الحياة، التي لا يغني عنها تواصل عبر الشاشات أو الاتصالات.

falkhereiji @