د. شلاش الضبعان

ذكر أبو ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء أن الفقيه أبي الحسن علي بن عيسى الولوالجي قال: دخلت على أبي الريحان - الخوارزمي عالم الرياضيات المشهور- وهو يجود بنفسه قد حشرج نفسه وضاق به صدره، فقال لي في تلك الحال: كيف قلت لي يوما حساب الجدات الفاسدة؟ فقلت له إشفاقا عليه: أفي هذه الحالة؟ قال لي: يا هذا، أودع الدنيا وأنا على علم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا من أن أخليها وأنا جاهل بها، فأعدت ذلك عليه وحفظ وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ.

ومسألة الجدات الفاسدة المذكورة هي مسألة الجدة من الأم وهي جزء من علم المواريث أو علم الفرائض.

الخوارزمي الذي وصفه الألماني سخاو بأنه «أعظم عقلية عرفها التاريخ» يسأل وهو على فراش الموت، واليوم هناك من يعتقد أن التعلم ينتهي بنهاية الجامعة، وهذا هو التعلم بمفهومه الضيق، بينما المتميزون يعرفون أن للتعلم مفهوما واسعا يتجاوز حدود المدرسة والجامعة وليس له عمر محدد، ويعرف التعلم بأنه كل ما يكتسبه الفرد من معارف ومعان وأفكار واتجاهات وعواطف وعادات وقيم وإستراتيجيات وطرائق وأساليب، سواء تم هذا الاكتساب بطريقة متعمدة ومخططة أو بطريقة عرضية دونما قصد، وهو أيضا تغيير شبه دائم في سلوك الفرد نتيجة الخبرة والممارسة، وبالتالي فهو لا يتوقف، ولا يمكن أن يوقفه إلا جاهل أو ظالم لنفسه.

في عالمنا اليوم هناك من هو صديق للكتاب والتطوير، بل أنه قد حول الجوال إلى وسيلة للتعلم سواء بالدورات التدريبية والاستفادة من اليوتيوب، أو ارتقى في درجات العلم فدرس البكالوريوس والدراسات العليا في مرحلة متقدمة من عمره، وبالمقابل هناك من توقف، بل وجند نفسه للسخرية ومهاجمة كل من أراد التقدم، بينما هو الأولى بالرأفة لحاله، فمن لا يتقدم يتراجع.

رأى رجل مع الإمام أحمد بن حنبل محبرة فقال له: يا أبا عبد الله، أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المحبرة تحملها! فقال: مع المحبرة إلى المقبرة.

يا ليت كلنا نكون كأحمد بن حنبل والخوارزمي والناجحين، فلا نترك القراءة والاطلاع والعلم والتعلم حتى آخر لحظة في حياتنا، ولا نجعل العمر يقف عائقا أمامنا.

إن للتعلم متعة لا يعرفها إلا المتعلمون.

shlash2020 @