عبدالكريم الفالح يكتب:

لكل شاعر أزمنة وأماكن تدور بها أحداث شعره، سواء كانت هذه الأماكن والأزمنة متخيلة أو حقيقية، وله أيضا مفردات تتسلق شجرة شعره وتنمو برفق أحيانا، وحينا بصلابة، وبفلسفة وحكمة تدخل أعماقه وتداعب أحلامه في أحيان أخرى.

الأيام والليالي هواجس وهموم في أعماق الشاعر خالد الفيصل، وله جاذبية في المحسنات البديعية واللغة الشاعرية.

لكنه (الوقت) والألم يتكرر أحيانا

في البيت الواحد أربع مرات:

من بادي (الوقت) وهذا طبع (الأيام)

عذبات (الأيام) ماتمدي (لياليها)

هذه استهلالية قصيدته الشهيرة «من بادي الوقت»... كلمات تفتح أفق الوقت، فيرشدنا إلى الحكمة عندما يعلمنا بأن «هذا طبع الأيام» منذ أن خلق الله الدنيا، كما أن ما تشهده الليالي من حلاوة تختفي كحلم... تتوارى في البعيد:

حلو (الَّليالي) تواري مثل الأحلام

مخطور عنَّي عجاج (الوقت) يخفيها

ويعود للزمان عندما يقدم نصيحة للظامئين بأن يعلوا أي يصرخوا وهي كلمة يصرخ بها طالب الماء بكلمة «عل» للبعير حتى يخرج الماء من البئر قبل أن يأتي الطين، فيضرب ذلك الصفاء

إلى صفا لك (زمانك) عل ياظامي

اشرب قبل لايحوس الطين صافيها

لن أكمل القصيدة، فأنتم تعرفونها ولو أعدتم قراءتها ستكتشفون حجم الألم، الذي عاناه هذا الشاعر الحساس والقادر على توظيف المفردة وتشكيل مفرداته بقدرة عجيبة.

هو يتحدث مع الليل... يسأله... يهدي العمر لحبيبته ثم يقطف لها النجمة وحتى يصل للقمر فيذوبه.

ردي وخذي مني (ليالي) في العمر

أقطف لك النجمة واذوب لك قمر

كيف تجمع النجمة والقمر في كف واحدة... ما هذه القدرة العجيبة على الوصول إلى النجمة والقمر في حس شعري واحد؟ تقطف هذه وتذوب ذاك.

هناك تراقص مع النجمة... كيف تقطفها هنا ثم تدعها ترقص صبحا من طربها على النغمات اللواتي يطردن العماس؟

تذهب للصبح والليل والعمر والساعة والأيام وحتى وقت الضحى.

وهناك تستغرب من الليل وهو لحظة زمن أيضا من تلك الأزمان ومفرداتها، التي يمتلئ بها شعر دايم السيف:

يسائله ويناجيه

يا (ليل) خبرني عن أمر المعاناة

هي من صميم الذات ولا أجنبية

لقد اصطدنا النجمة، التي ترقص بعد أن قطفت أنت نجمتك:

ونجمة (صبح) ترقص من طربها

على نغمات يطردن العماسِ

وهنا تهدي العمر وليس هناك أغلى من العمر... تهديه برغم أنك قلت:

ليت (العمر) يهدى واهاديك (عمــــــــري)

تستاهل الأيام يازهو (الأيام)-

ويصبح لديك القدرة على الانتظار إلى الصبح في انتظار المرسول، لكن ما هو هذا المرسول؟

استمتعوا:

وأنتظر (للصبح) مرسول الشعاع

نورك اللي غاب من (يوم) الوداع

يعود للوقت كما عودنا وللأزمان ولباكر ولأمسه وكل هذه المفردات (زمن) في كل تفاصيله.

ولك في خيال الشاعر المهتـوي ميعاد

ومجلس على غيمة و(ليلة) قمر نجـدي

أقمار نجد -التي ذوبها- تعيش في أعماقه... يعشق لياليه وغيومه ولا ينساها

زمن في تفاصيل المكان

وجع بين الليل والدمع والوقت والأمس والغد والزهر والحرير والحب والقمر الذائب

حتى القصائد الوطنية لخالد الفيصل

يدور في جنباتها الوقت في لمحات جميلة:

‏لو مـــــــا بقــــــــى (بالعمـــــر) إلاّ (ضحى) شَمـسْ

‏فديـــت بـــه ديــــــــــني وداري وأهَلْــــــــــــها

‏ما قــــــد ذَخَـــــــــــــــرت (اليوم) عنها ولا (أمس)

‏هي عشقة أفكاري وغاية أملها

(يتبع)

karimalfaleh @