لمى الغلاييني

العلاقات المؤذية قد تكون الأسهل في التعرف عليها، لكنها الأصعب في التخلص منها، فهي علاقة انفعالية مفعمة بالعواطف والحرارة والشوق والغضب، وتفتقر إلى العقلانية والواقعية، فتجد أطرافها يستخدمونها كنوع من التلطيف الوهمي والدفاع النفسي، يزيحون بها بعض عقبات الواقع، كآلية هروب لتخفيف الضغوط الحياتية، فهي علاقة تصطدم كثيرا ولا تتوافق مع الإطار العقلاني والمنطقي، بل تسعى لتعويض غياب تلك العقلانية بمزيد من العاطفية المفرطة للموازنة، فتبدو في بداياتها كعلاقة مثالية أسطورية مشحونة بالعواطف والهوى، الذي يتحدى كل شيء ينادي به العقل، لأن العلاقة لن تستمر لو اتخذ المنطق مساحة، ولذلك تتم إزاحته مبكرا لتتمكن من البقاء بكل تلك السموم بداخلها، ويتم تحويل هذا الإيذاء وتغيير إدراكه وتشويه الواقع، الذي يبدو فيه جليا، لمصلحة إعادة صناعته وصياغته في إطار عاطفي، بعد تغيير الأسماء ولي الحقائق، فيتم تحويل الاضطراب الناجم عن هذه العلاقة والعواصف، التي تعصف بحياة طرفي العلاقة، واعتبارها آثارا جانبية لهذا الحب الجارف، والعشق الدامي الذي لا يمكن استيعابه، ولكن المسمى الحقيقي للعلاقة هو «الإيذاء العاطفي»، فأي علاقة تقوم بتجنيب العقل والمنطق وإزاحة الواقع والظروف عن المعادلة، تحمل بداخلها خطر التحول يوما ما لعلاقة مؤذية، فوحدها الرؤية العقلانية المتزنة، والتصور المنبثق من الواقعية يمكن أن يكون لقاحا ضد أمراض العلاقات، وجرس إنذار يدعو للهرب وإعادة التقييم والبحث عن حلول بدلا من التبرير ولوي الحقائق، لكن ذلك النوع المرضي يتغلغل دوما بشكل قهري يعيق قدرة أطرافه من التحرر منه رغم رغبتهم في ذلك، ولا يسهل الرحيل رغم كل الآثار السلبية المترتبة عليها، وهو أشبه بالإدمان، الذي يشعر صاحبه بأنه مقيد ومتورط ولا يستطيع الفرار رغم احتياجه للرحيل، وكأنه لم يعد حرا ولا يملك خياره، فالعلاقات المؤذية أقوى قيودا من العلاقات الصحية، وأكثر صعوبة في الفراق والتعافي منها، حيث يتغلغل فيها ذلك النوع من التعلق المسموم، والمتأرجح بين الإيذاء والمكافأة، فالشخص نفسه الذي يؤذيك ويسيء إليك ويرهقك نفسيا وبدنيًا وعاطفيا ويستنزف طاقتك ويدمر صورتك الذاتية، هو نفسه أحيانا مَنْ يمنحك الحنان ويكون ممتلئا بالدفء والعطف، فهذا التذبذب بين الإساءة والرقة هو ما ينشىء الرابط القوي، الذي قد تتفوق متانته على قوة روابط العلاقات الصحية، ويصعب الفكاك منه، فالعلاقات المرضية كالإدمان تبقى ممسوكا فيه رغم كل آثاره السلبية، ومنغرسا رغم كراهيتك للبقاء ورغبتك في الفرار، فهي ببساطة أشبه بفقدان السيطرة، واستمرار للمسلسل الطويل من الوجود والتبرير والعودة، رغم كل الوعود السابقة بالتوقف والفراق، فهي رابطة مرضية تنشأ بين الشخصين، كذلك الذي يحدث في متلازمة ستوكهولم من التعاطف مع الجاني، والسقوط في حب المؤذي، ونحن نخدع أنفسنا حين نظن في كل مرة نعود فيها رغم صراع الفراق وآلام الابتعاد بأن هذه علامة على الحب وتفرد العلاقة، ولكنها ببساطة ليست متفردة إلا في كونها محض إدمان، وتعلقا مرضيا ترسخت جذوره على حالة الصدمة طويلة المدى، التي كانت تعيشها تلك العلاقة، فهو ليس حبا على الإطلاق، بل تعلقا إدمانيا يحتاج لقوة إرادة وخارطة تعافي لتتمكن من الرحيل.

LamaAlghalayini@