ماجد السحيمي

في معظم مناحي الحياة تتدرج الألوان من أخف درجة وحتى أحلكها، ومن ضمنها سيدا الألوان الأبيض والأسود اللذان يملكان منطقة مهمة وهي الرمادية، هذه المنطقة منطقة الوسطية تقبل شيئا من هنا وآخر من هناك. أقصد بكلامي هنا كناية عن تعبير مجازي عن المد والجزر والأخذ والعطاء والرد والقبول، فهي تشتد هنا وترتخي هناك، فأمواج التدرج واردة بل ومطلوبة أحيانا. إلا أن هناك مناحي أخرى لا تقبل لون الرماد بل لا تقبل حتى قطبي اللون الفاتح والحالك فهي لا تقبل إلا لونا واحدا فقط دون أي تغيير مهما حصل. مثال ذلك التعليق على موضوع معين ويكون هذا التعليق مختلفا من شخص لآخر حسب رؤيته فهذا الرأي مقبول وذاك الرأي الآخر المختلف مقبول أيضا، لكن ما أن يتعلق الموضوع بأشياء كالدين ثم الوطن والوالدين والأبناء فهذا لا منطقة رمادية ولا رأي ولا وجهة نظر ولا يحزنون. فمن يتعدى عليهم قيد أنملة مخطئ مباشرة دون تردد مستحق للعقاب. ما حدث خلال الأيام الماضية من تعد على شخص خير البشر ورسول البشرية ومعلمها وفخرها صلى الله عليه وسلم، هو تجاوز مباشر وواضح صارخ على رمز الدين ليس تعبيرا ولا حرية رأي ضمن مسألة معينة بل هو تجاوز مكتمل الأركان لا يشوبه سوى ذلك على رمز الدين الذي شرفه الله سبحانه بكل شيء، فشرفه باصطفائه من بين كل الخلق وبعصمته عن الزلل وبكل أخلاقه وأفعاله وسكناته وكل ما يحيطه ويصاحبه حتى عرقه وأنفاسه الشريفة. لا مبرر إطلاقا ولا مضيعة للوقت في تفسير تلك الإساءات المقيتة فالموضوع كما ذكرت ليس في مسألة فيها اجتهاد أو خلاف فقهي بل هي ممن تكفل بوصول القرآن خير الكلام من الله جل وعلا لنا، ممن هو أرحم بنا من أمهاتنا، ممن يدعو ليل نهار «أمتي أمتي». أول نشيدة حفظتها في صغري كانت «طلع البدر علينا» وكنت أحفظها كمقرر دراسي، وحين شاهدت فيلم العملاق مصطفى العقاد رحمه الله «الرسالة» وعند استقبال الأنصار لمقدم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة من مكة أنشدوا كلمات في غاية الرقي والجمال والبهجة والفرح (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع - وجب الشكر علينا ما دعا لله داع - أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع - جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع) هنا تغير إدراكي تماما لها، تأملوا في عبق العطر من هذه الكلمات (يصفون الرسول المطهر بالبدر وبخير داع ويسألون الله شكر هذه النعمة) تخيلوا ما هذا الشرف العظيم الذي كانوا عليه وهم يقفون استقبالا لأشرف وأطهر الخليقة، الإنسان يغمره الفرح حين يستقبل والديه أو زوجته أو ابنه أو صديقه الوفي، فماذا لو كان من نحبه أكثر من كل هؤلاء؟ صلى الله عليك يا خير الورى وبدر الدجى وشمس النهار وهواء الحياة.

وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا (النيات الطيبة لا تخسر أبدا).. في أمان الله.

Majid_alsuhaimi@