أحمد بني قيس

إن أعظم مدرسة وجدت في الحياة الدنيا لنا نحن تحديدا كمسلمين هي المدرسة النبوية المتمثلة في سلوكيات وتعاملات نبينا وهادينا وشفيعنا يوم الدين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مما يستوجب علينا كمسلمين عدم الركون إلى غيرها من السلوكيات والتعاملات المناقضة لهدينا النبوي وإرشاداته، إلا أن الواقع يقول وللأسف إن هذا الأمر يغيب التمسك به والاعتماد عليه عند شريحة واسعة من المسلمين الأمر الذي تسبب في ولوج أفكار ومناهج وسلوكيات بعيدة كل البعد عن منهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وطبيعة تعامله حتى مع ألد أعدائه ولقد سيطرت هذه الأمور المنافية لصحيح الدين وصريحه على فكر الكثير من المسلمين وعلى كل ما يلزم ذلك من تطبيق ضال ومضل، تطبيق لم ينتج عنه إلا اقتراف الكثير من أبناء هذا الدين لما يخالف توجيهاته وضوابطه والتسبب تبعا لذلك في تشويه هذا الدين وتشويه فكر وسلوكيات كافة معتنقيه.

المعضلة في هذا الشأن تحديدا أن الكثير من هذه الممارسات والأفعال التي ينبذها الدين بل ويجرمها ألصقت بالدين زورا وبهتانا مما تسبب في تشويش فكر الكثير دينيا وخلق لنا وللدين أزمات وكوارث استنزفت الكثير من طاقاتنا في محاولة تصويبها وتخطئة من يمارسها، إلا أن الاستمرار في تبنيها بل واستجلابها كلما جد جديد هو الديدن السائد عند الكثير من المسلمين مما وفر بيئة ملائمة لظهور التطرف والتزمت والذي يتمثل في بروز حركات تزعم أنها إسلامية ترتكب من الفظائع والجرائم ما الله به عليم كداعش والقاعدة والنصرة وغيرها من الحركات اللاإسلاموية وإن زعمت خلاف ذلك، ولعل ما حدث مؤخرا من نهج متطرف من قبل بعض المسلمين في بعض الدول الغربية، نهج تسبب في قتل أنفس بريئة لا علاقة لها إطلاقا بما تسبب في قتلها وهو كما هو معلوم يتلخص في نشر رسوم كرتونية مسيئة لسيدنا رسول الله وللدين الذي يمثله، ولكن السؤال المهم هو هل سفك الدماء بحق أفراد ينتمون لمجتمعات تصدر منها مثل هذه الإساءات سيرضي رسولنا الكريم وسيرضي قبله ربنا عز وجل؟ هنا السؤال والإجابة عنه ستعمل على توضيح الواضح، فنحن إن أجبنا عنه بنعم فهذا فيه تعارض تام مع نهج سيدنا محمد مع كل من عاداه وتآمر عليه بل وحاول حتى قتله، أما إن أجبنا عنه بلا فيتوجب علينا هنا شرعا وعقلا ودفاعا عن ديننا ورسولنا تحديدا بحكم أنه محور هذه القضية التنديد بمرتكبي مثل هذه الجرائم والتصريح بأن أفعالهم هذه لا تمثل الإسلام إطلاقا ولا تتعلق نهائيا بتعاليمه السمحة والمتسامحة.

ولتأكيد صحة منافاة هذه الجرائم للدين وللنهج النبوي دعونا نسترجع كيف تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وكيف عفى وصفح عنهم وقابل إساءاتهم له بالترفع عنها وعدم معاملتهم بالمثل، وهذا ما جسده الواقع في حينه مع كفار قريش عند فتح مكة رغم كل ما فعلوه به حيث سأل النبي كفار قريش قائلا “يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم؟” فقالوا “خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم” فقال “إذهبوا فأنتم الطلقاء” بمعنى أنه غفر لهم وعفى عنهم تماما رغم أن إجرامهم بحقه لا يمكن مقارنته أبدا بنشر بعض الرسوم المسيئة لشخصه الكريم.

وحتى يكون الموقف واضحا حيال هذه الرسوم فنحن كمسلمين نعترض عليها وندين نشرها بشدة ونشجب تشويه صورة حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكننا في نفس الوقت لا يمكننا كمسلمين عقلاء تأييد أو قبول قتل أي نفس في سبيل الاعتراض على وجود هكذا رسومات فهنالك طرق أخرى عديدة أكثر نجاعة وذات تأثير إيجابي أكبر وأعمق يمكن لها أن تنتصر لهذه الإساءة وتدفع المسيئين المرتكبين لها كبر شأنهم أم صغر إلى الإحجام عن تكرار هكذا أفعال، بل من الوارد أن تلك الطرق قد تدفع حكوماتهم قسرا لسن قوانين تجرم صدور مثل هذه الإساءات أو تكرارها، ومن بين هذه الطرق مثلا اللجوء للوسائل الاقتصادية أو الدبلوماسية والأهم من ذلك كله العقائدية التي حتما متى ما رأى العالم مدى تسامحها وإحسانها حتى لمن يسيء إليها أو إلى رموزها فإن ذلك من شأنه تحبيب العالم في هذا الدين وأهله أو على الأقل تحسين صورته وصورتهم أمامه.

ختاما إن ديننا يحثنا على مقابلة الإساءة بالحسنة في كافة تعاليمه التي خير من يعبر عنها هو نبينا محمد سواء في سلوكه أو في ردود أفعاله مهما عظمت الإساءة بحقه ولقد علمتنا سيرته العطرة أن الفطن الحصيف هو من يعرف كيف يمكن له الانتصار لحقه دون أن يطاله أي لوم أو يمسك عليه أي ممسك وتحقيق ذلك ممكن شريطة أن يتم من خلال عدم سلوك أي مسلك يخالف ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم أو ما كان يأمر به أصحابه ومن بعدهم كافة أفراد أمته.