هناء مكي

يُعتبر نظام الكفيل المعمول به في منطقة الخليج العربي، منذ عقود، نظامًا ناجحًا ومقبولًا؛ بسبب نمط العيش والمحافظة على البيئة الخليجية التقليدية والآمنة، وانسيابيتها من البيئات الأجنبية للعمالة المتدفقة، وضبطها وإلزامها بقانون يُحتم على الأجنبي أن يحصل على مَن يكفله؛ ليتحمّل وزر أفعاله، أشبه بولي أمر يمكن الرجوع له.

هناك مَن استغل هذا النظام لصالحه، فمنهم مَن تعامل معه بجشع، ومنهم مَن تعامل معه باستغلال، وآخرون بقساوة مُفرطة لدرجة الاستعباد، شبَّهه البعض بنظام السُّخرة؛ لأنه يضع العامل رهنًا بيد كفيله، ولكن حين نتأمل في الفكرة نجدها منطقية وكل ما يحدث من سلبيات فيه لا تعدو كونها أفعالًا فردية دون مسؤولية، هي أخطاء تُدرج تحت مظلة الفساد والمحسوبيات. ولكن على الأرجح أن هذا النظام حقق نجاحه في حماية المجتمع الخليجي من افتلات العمالة الأجنبية من نظامية تحت وصاية كفيل ومساءلته، إلى سائبة لا يؤمن شرّها، ولا يمكن السيطرة عليها، وعلى الرغم من قوة هذا النظام وتشريعاته، إلا أن العمالة السائبة كانت تتكاثر مع السنوات، وتزيد وضع سوق العمل الخليجي سوءًا؛ ما يجعل القطاع الخاص غير مستقر.

ومع تقادم السنوات بات نظام الكفيل يحتاج إلى تحسينات ليواكب إصلاحات سوق العمل وفق الرؤية العصرية، فالكفالة باتت مأثورة لدى أصحاب الأعمال، وبات العمل في القطاع الخاص أشبه باستحقاق للأجنبي بدلًا من المواطن.

اليوم هذا النظام صار أرضية فساد للعمالة السائبة، وانفلات السيطرة على مشروعية الأعمال، والتحكّم في الرواتب والأسعار والأعمال غير المشروعة، أشبه ببؤر إجرام قد يكون العقل المدبّر لها هو العامل الأجنبي ذاته، بعد أن عرف ثغرات التشريعات، وهذا ما يُعرّض الاقتصاد المحلي لتحديات.

أنا مع مبادرة المملكة نحو تحسين نظام الكفيل، والتي تتيح مرونة في تنقّل العامل الوافد لعملٍ آخر وفق ضوابط مشروطة، وحرية عودته النهائية إلى بلده بعد انتهاء عقده دون موافقة الكفيل، وهذه المرونة ستتيح حرية اختيار أكبر للمواطن في سوق العمل على مبدأ المساواة.

فالمملكة التي تضم على أراضيها نحو 13 مليون أجنبي، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء للعام الماضي، وجب عليها إعادة تقييمها لمثل تلك القوانين التي كان لها دور في وصول أعداد الأجانب إلى هذه الملايين.

الرقم كبير جدًا، وحان الوقت لإصلاح سوق العمل وتشريعاته؛ لوضع حد لهذه الملايين واستبدالها بالعمالة الوطنية، حان الوقت للاعتماد على المواطنين، فأرقام البطالة هي الأخرى تزدهر وتكبر، وتتسبب في أزمة قد تؤزم الاقتصاد إذا تمّ إهمالها، فقد ارتفعت نسبة البطالة وفق آخر إحصائية سجّلتها الهيئة العامة للإحصاء؛ لتصل إلى 15.4% في الربع الثاني من العام الحالي، وهي تعتبر من تبعات تأثير جائحة كورونا على أسواقنا للأسف.

أنا على يقين تام بأن الأزمات تخلق لنا حلولًا مُلزمة، ما كنا نجرؤ على اتخاذها من قبل، حان وقت إصلاح سوق العمل الآن بإصلاح التشريعات وتكييفها، وفي المستقبل بإصلاح التعليم والتأهيل، وفق برنامج تنمية القدرات البشرية من الرؤية 2030.

تفاقم مشكلة البطالة اليوم هو من نتاج أزمة عالمية؛ ما يعني أن يكون للحلول المحلية أفضلية لمعالجة القصور في الداخل في وقت انشغال الدول الأخرى التي يعوّل عليها للمساعدة، بما خلّفته الأزمة الصحية من مشاكل عليها هي الأخرى؛ لنتعلم أن نصنع من مواردنا البشرية وثرواتنا أعمدة يستند عليها اقتصادنا.

@hana_maki00