لمى الغلاييني

يصف بعض الأطباء النفسيين دواء الأتاركس Atarax كعلاج لحالات من الاضطرابات النفسية، والاسم مشتق من المصطلح الفلسفي اليوناني القديم «الأتاراكسيا»، الذي بوسعنا أن نترجمه إلى اللغة العربية بصيغ عديدة مثل التوازن النفسي، سكينة الروح، السلام الداخلي أو اطمئنان القلب، حيث تبقى الطمأنينة هي المطلب الروحي الأكثر جذرية بالنسبة للكائن الإنساني، فبعضهم لا يمكنه الجلوس بهدوء لمدة نصف ساعة في قاعة الانتظار دون التململ في مكانه أو تشبيك أصابعه أو قضم أظافره أو خبط الأرض بأقدامه، وما سوى ذلك من الحركات الدالة على التوتر، حيث يعاني الإنسان الحديث من توتر وجودي مزمن يدفع به لالتماس الحلول في الأسفار أو الأسواق أو الحفلات وتنويع العلاقات، ويظل يبحث هنا وهناك، وحين لا تتحقق السكينة يتحطم القلب على صخرة اللوم والغضب والاكتئاب، وهذا ما يقصده محمود درويش بعبارته «لا حلول ثقافية لهموم وجودية»، ورغم أن علم النفس قدم وعودا كثيرة إلا أنه أخفق نوعا ما في تحقيقها، ولقد اعترف فرويد مبكرا بذلك حين أكد أن دور التحليل النفسي ليس في الانتقال من الشقاء إلى السعادة، بل محاولة التحول من شقاء مرضي إلى شقاء اعتيادي، وثمة اتفاق واسع على تفاقم معاناة العالم المعاصر من الاضطراب الروحي، لأن سيرورة التقدم العلمي لا يوازيها نمو مناسب في تعزيز كينونة الإنسان، ولقد وقع الكثير أثناء رحلتهم نحو التماس الطمأنينة في علاجات قائمة على الأوهام، التي تؤجل شقاء الروح لكي تفاقمه زيادة في الأخير، مثل المسكنات التي قد تمنح المريض بعض الشعور بالراحة لكنها لا تقدم علاجا شافيا، وقد يسعنا الإقرار بأن منطلق الحياة المطمئنة هو صفاء الذهن، ولكن هل صفاء الذهن يؤدي لحياة مطمئنة أم أن الحياة الهادئة تؤدي لصفاء الذهن، هل نغير التفكير أم نغير الحياة، ولقد أجاب بعض الفلاسفة بأن شقاء الروح نابع من شقاء التأويل، فالفيلسوف الروماني إبكتيوس يقول في وصيته «فاعلم كلما أغضبك أحد أن فكرتك ذاتها هي ما أغضبك»، حيث ينجم اضطراب الروح عن تأويل مشوه أو مقيد للمواقف، فكل الأحداث قابلة لإعادة التأويل بما يحقق الطمأنينة النفسية، وكما ينصب اهتمامنا دوما على تحسين الحياة بالمطالبة والاحتجاج والتطوير والتنمية، فلا بد في المقابل أن نولي الاهتمام إلى تحسين نظرتنا للحياة، وبلا شك يظل اهتمامنا في تحسين الحياة مطلبا مشروعا لكن الأكثر أهمية هو التركيز على اختيار منظورنا للحياة، ويجب ألا يأتي الرهان على تغيير الأشياء على حساب تغيير آرائنا حول الأشياء، وفي واقع الحال لا تسوء الأحوال وإنما تسوء نظرتنا إلى الأحوال، إذ إن أفكارنا حول الأحداث أشد تأثيرا علينا من الأحداث نفسها، ذلك بأن الأفكار سرعان ما تصبح مشاعر، التي ستتحول لتصرفات في نهاية المطاف، وبكل بساطة نقول إننا لا نستطيع تغيير العالم كما ينبغي، لكننا نستطيع تغيير نظرتنا إلى العالم بالنحو، الذي يمنحنا قدرة أفضل على الحياة، وهذا ما يتسنى لكل واحد منا أن يفعله بكل سلاسة.

LamaAlghalayini@